ج91: قصة الإسراء والمعراج - ترحيب الأنبياء بالنبي محمد ليلة المعراج ووصفهم له بالنبي الصالح - لماذا قال ادريس مرحبا بالأخ الصالح - يوسف أوتي شطر الجمال والنبي أتاه الله الجمال كله

                بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الحادي والتسعون)

:: الفصل الحادي والتسعون :: عن رحلة المعراج – ج5/ مسائل عن المعراج عند وصول النبي للسماء الاولى وحتى الرابعة ::

1- س223: لماذا اكتفى الأنبياء في ترحيبهم بالنبي بوصفهم له بالنبي الصالح ؟

#- إشارة ذوقية مما جال بخاطري.

2- س224: إذا كان يوسف أوتي شطر الجمال فما الذي أعطاه الله لنبيه محمد ؟

#- إشارة ذوقية مما جال بخاطري.

3- س225: لماذا قال إدريس عليه السلام للنبي (مرحبا بالأخ الصالح) وهو من أجداده حسب ما ذكره بعض العلماء ؟

#- أولا: كلام العلماء في شرح جزئية قول إدريس للنبي (مرحبا بالأخ الصالح).

#- ثانيا: قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على آراء العلماء.

#- ثالثا: أقول لك أخي الحبيب رأيي الخاص في قول إدريس (مرحبا بالأخ الصالح).

- إشارة ذوقية مما جال بخاطري.

*******************

:: الفصل الحادي والتسعون ::

*******************

..:: س223: لماذا اكتفى الأنبياء في ترحيبهم بالنبي بوصفهم له بالنبي الصالح ؟ ::..

#- أولا من أقوال العلماء ..

1- قال الإمام السيوطي رحمه الله (المتوفى: 911 هـ):

- قيل: اقتصر الأنبياء على وصفه بالصالح وتواردوا عليها .. لأن الصلاح يشمل خِلال الخير .. ولذا كررها كل منهم عند كل صفه. (الآية الكبرى في شرح قصة الأسراء للسيوطي ص29).

 

2- قال الإمام نور الدين الهروي القاري رحمه الله (المتوفى: 1014هـ):

- (ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح) : قيل: وبها اقتصر الأنبياء على هذا الوصف، لأن الصلاح صفة تشمل جميع خصائل الخير وشمائل الكرم.

- ولذا قيل: الصالح من يقوم بما يلزمه من حقوق الله وحقوق عباده.

- ولذا ورد في الدعاء على ألسنة الأنبياء: توفني مسلما وألحقني بالصالحين.

- ويمكن أن يكون المراد به: الصالح لهذا المقام العالي، والصعود المتعالي. (مرقاة المفاتيح ج9 ص3760).

 

#- ثانيا: قلت (خالد صاحب الرسالة) فيما أظن بوصف النبي بالصالح:

- لو لاحظنا وصف الأنبياء للنبي بأنه الصالح .. فهذا حينئذ وصف مدح من جميع الانبياء للنبي لكونه وصف محقق ظاهرا وباطنا له صلى الله عليه وسلم .. أي أن الصلاح كان متمكنا فيه ظاهرا وباطنا.

- وإذا كان إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء كان له رجاء من الله أن يلحقه بالصالحين (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) الشعراء:83.. فكان للنبي صلى الله عليه وسلم وصفا لازما له مستحق له بدلالة شهادة الأنبياء له جميعا الذين قابلهم.

 

#- ثالثا: قلت (خالد صاحب الرسالة) .. مما جال بخاطري على سبيل الإشارة والذوق ..

 - لما كان وصف النبي بالصالح .. وتخصيص الأنبياء له بوصف الصالح دون غيره من الأوصاف بالرغم من كونهم صالحين .. إلا أن وصفهم للنبي بالصالح .. فهذا يرشدك لإشارة جليلة .. وهي أنه النبي الصالح للقاء ربه في مقام الخصوصية .. إذ أن الله خصصه بذلك وهيئه ليكون النبي الصالح بمعنى المهيأ ظاهرا وباطنا للتقدم في مقامات النور الإلهي والوقوف في مقام الخصوصية ليتلقى من الله الوحي تلقينا ويريه تخصيصا له بما لم يريه لغيره في الوجود كله .. لأنه الصالح دلالة على تحقيق وصف الأمية فيه صلى الله عليه وسلم وليس لغيره ذلك .. إذن هو الصالح للتقدم في مقام الأنوار الإلهية ولمقام الخصوصية .

- وهذا ما خطر ببالي .. والله أعلم .

 

***********************

 ..:: س224: إذا كان يوسف أوتي شطر الجمال فما الذي أعطاه الله لنبيه محمد ؟ ::..

#- جاء في (حديث صحيح) من أحاديث المعراج .. قوله: (ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: وَمَنْ مَعَك؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالُوا: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ، وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ...) رواه ابن أبي شيبه في مصنفه بسند صحيح.

 

#- وجاء في (حديث ضعيف) من أحاديث المعراج من حديث أبي العالية عن أبي هريرة .. ومما جاء فيه قوله: (فَصَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جَبْرَائِيلُ، قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قَالُوا: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ .. فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ .. وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ .. قَالَ: فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ فُضِّلَ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ فِي الْحُسْنِ .. كَمَا فُضِّلَ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ .. قَالَ: «مَنْ هَذَا يَا جَبْرَائِيلُ الَّذِي فُضِّلَ عَلَى النَّاسِ فِي الْحُسْنِ؟» قَالَ: هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ) رواه الطبري في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): سبق تخريج هذه الرواية من قبل وأنها ضعيفة ولم تصح .. راجع الفصل الرابع والثلاثون .. تحت عنوان (س93: ما هي الأحداث الغير صحيحة التي قيلت في قصة الإسراء فقط من بداية القصة وحتى ركوب النبي للبراق ؟).

 

#- وجاء في (حديث ضعيف جدا) من أحاديث المعراج من حديث أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري .. ومما جاء فيه قوله: (ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ وَحَوْلَهُ تَبَعٌ مِنْ أُمَّتِهِ، وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَرَحَّبَ بِي) رواه الطبري في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث ضعيف جدا فيه أبي هارون العبدي وهو ضعيف جدا .. وسبق الكلام على هذه الرواية ..

 

#- وقد يأتيك أخي الحبيب سؤالا على بالك فتقول: إذا كان يوسف أعطاه الله شطر الحسن أي نصف الحسن والجمال أعطاه له في وجهه .. فما الذي أعطاه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم حتى وصفه بعض الصحابة أنه مثل القمر وأحسن الناس وجها وخَلقا ..؟!! وذلك كما في رواية: (سُئِلَ البَرَاءُ (أي الصحابي البراء بن عازب) أَكَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ السَّيْفِ (أي في اللمعان والبريق) ؟ قَالَ: لاَ بَلْ مِثْلَ القَمَرِ (أي في جمال إشراقه وكمال استدارته)) صحيح البخاري..، وقال أيضا الصحابي البراء بن عازب: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُمْ خَلْقًا) صحيح مسلم.

 

#- قلت خالد صاحب الرسالة .. تذوقا لمفهوم جمال النبي في حين أن يوسف له شطر الجمال:

1- إذا كان يوسف أعطاه نصف جمال الحسن في وجهه وهيئته مما يمكن أن يعطيه الله لبشر .. وهو نبيا على يوحى إليه في مكانه الأرضي .... فما بالك بمن تجلى الله عليه بنوره الخاص من فوق سبع سموات حتى تبدلت أوصاف سدرة المنتهى بمن فيها وعليها من جلال وجمال هذا النور .. فما ظنك بالنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ إلا أن يكون قد أعطاه الله من الحسن والجمال والجلال كله بما لم يعطه لأحد من العالمين ..

 

- وإذا كان الله وملائكته يصلون على النبي .. بما لم يحظى ذلك نبيا ولا رسولا .. فما ظنك بمن تمكنت أنوار الجمال والجلال منه فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليه ..؟!!

 

- فإذا كان يوسف أعطاه الله شطر الجمال .. فهذا على قدره عليه السلام كان له شطرا من الجمال.

- فسيدنا النبي محمد قد أعطاه الله الجمال كله .. وهذا على قدره إذ قد اختصه الله بذلك بما لم يكن لغيره من الخلق..

 

- فسيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم يصلي الله عليه وملائكته .. وقد أعطاه من نور الجمال والجلال الذي لم يصل إليه نبيا ولا رسولا من البشر ولا الجن ولا ملكا من الملائكة .. ولم يكن جماله وجلاله في هيئته فقط .. بل في وصفه العام ظاهرا وباطنا .. حتى كان شفيعا للخلق أجمع عامة يوم القيامة لبدأ الحساب .. وشفيعا للمؤمنين خاصة لتخليصهم من كروب يوم القيامة.

- فصلوا عليه وسلموا تسليما ..

 

2- وعلى افتراض صحة رواية أبي العالية عن أبي هريرة .. فإذا كان النبي وصف يوسف بأنه فُضل على الناس كلهم بالحسن كفضل القمر على سائر الكواكب .. فذلك قبل وصوله لمقام الأنوار الإلهية وصعوده لمقام الخصوصية ..

- فأدهش الله حبيبه وخليله سيدنا محمد بعطاءه .. وأعطاه من الجمال النوراني ما لم يحظى به بشر ولا جن ولا ملك .. وكأن الله يقول لنبيه: إن كان يوسف أبهرك جماله خلقته .. فلك مني الجمال كله الذي احتفظت به لك إذ أنت الأمي الصالح لهذا النور الكامل من الجمال والجلال .. فكان لك مني كل كمال يمكن أن يحظى به مخلوق في الكون كله ... فأنت حبيبي وخليلي يا محمد .. وإذا كان يوسف جماله كفضل القمر على سائر الكواكب .. فانت جمالك ليس له نظير ولا مثيل إذ أنت جمالك من نوري الخاص الذي لم يحظ به غيرك ولا يقاربك أحد في مقامك وشأنك.

- والله أعلم .

 

#- أيها المؤمنين .. صلوا عليه وسلموا تسليما..

 

**********************

..:: س225: لماذا قال إدريس عليه السلام للنبي (مرحبا بالأخ الصالح) وهو من أجداده حسب ما ذكره بعض العلماء ؟ ::..

 

- جاء في حديث المعراج .. عند السماء الرابعة قوله: (ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ) صحيح البخاري.

 

- بعض أصحاب الشبهات من منكري المعراج .. أخذ سؤال يتداوله العلماء في شرح حديث المعراج وهو: لماذا إدريس قال للنبي أهلا "بالأخ الصالح" ومن المفترض أن يقول له (الإبن الصالح) لأن إدريس يعتبر جد للنبي ؟!!

 

- فأخذ صاحب الشبهة هذا السؤال .. وصنع منه شبهته الخاصة لإرجاف المؤمنين وقال ما معناه: أن رواية المعراج هذه باطلة ولا صحة لها .. وكان مما ذكره .. أن دليل ذلك أن إدريس قال للنبي (مرحبا بالأخ الصالح) في حين هو جده .. فكيف تصح الرواية وهذا يجعلنا نتيقن بتلفيق هذه القصة .. !!

 

#- أولا: كلام العلماء في شرح جزئية قول إدريس للنبي (مرحبا بالأخ الصالح) ..

1- قال الإمام علاء الدين المعروف بالخازن رحمه الله (المتوفى: 741هـ):

- وقوله في إدريس (مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح): قد اتفق المؤرخون على أن إدريس .. هو أخنوخ وهو جد نوح عليهما السلام فيكون جد النبي صلّى الله عليه وسلّم كما أن إبراهيم جده .. فكان ينبغي أن يقول بالنبي الصالح والابن الصالح كما قال آدم وإبراهيم عليهما السلام ؟

- فالجواب عن هذا أنه قيل: إن إدريس المذكور هنا هو إلياس .. وهو من ذرية إبراهيم فليس هو جد نوح .. هذا جواب القاضي عياض.

- قال الشيخ محيي الدين: ليس في الحديث ما يمنع كون إدريس أبا لنبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم وإن قوله: الأخ الصالح يحتمل أن يكون قاله تلطفا وتأدبا، وهو أخ وإن كان أبا .. لأن الأنبياء إخوة والمؤمنين إخوة .والله أعلم. (تفسير الخازن ج3 ص116).

 

2- قال الإمام ابن كثير رحمه الله (المتوفى:774 هـ):

- وقد زعم بعضهم .. أن إدريس لم يكن قبل نوح .. بل في زمان بني إسرائيل.

أ- قال البخاري: ويذكر عن ابن مسعود، وابن عباس، أن إلياس هو إدريس، واستأنسوا في ذلك، بما جاء في حديث الزهري، عن أنس في الإسراء: أنه لما مر به عليه السلام، قال له: مرحبًا بالأخ الصالح، والنبي الصالح، ولم يقل كما قال آدم، وإبراهيم: مرحبًا بالنبي الصالح، والابن الصالح. قالوا: فلو كان في عمود نسبه، لقال له كما قال له.

- وهذا لا يدل .. ولا بد .. لأنه قد لا يكون الراوي حفظه جيدًا.

ب- أو لعله قاله له .. على سبيل الهضم، والتواضع، ولم ينتصب له في مقام الأبوة .. كما انتصب لآدم أبي البشر، وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن، وأكبر أولي العزم، بعد محمد صلوات الله عليهم أجمعين. (البداية والنهاية ج1 ص113).

 

#- ثانيا: قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على آراء العلماء:

أ- محتمل أن يكون أحد رواة الحديث .. قد أخطأ في حفظ تلك الجزئية وبدلا من أن يقول (الإبن الصالح) فسبق لسانه وقال (الأخ الصالح) كما قال قيل ممن قابله من الأنبياء السماء الثالثة وفيمن بعده في السماء الخامسة .. ولكن بالنسبة لآدم وإبراهيم فهذا مما لا يخطيء العقل في كونهما من آباءه.

 

#- قلت خالد صاحب الرسالة: هذا وإن كان رأي محتمل .. إلا أنه بعيد .. لأن لفظ (الأخ الصالح) المروي عن سيدنا إدريس .. قد أتى من رواية أخرى قالها صحابي آخر .. فقد جاء اللفظ من رواية مالك بن صعصعة وأبي ذر الغفاري .. فإذا كان سلسلة رواة أحد الإسنادين قد أخطأ .. فيصعب أن نتصور خطأ السند الآخر في نفس اللفظ ..!!

- ولكن قول إدريس (مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح) فهذا يدل على أنه يجتمع معه في أبيهم نوح .. مثله مثل موسى وعيسى ويوسف .. والله أعلم .  

 

ب- أما القول الذي نقله البخاري عن الصحابيان بن مسعود وبن عباس من أن إدريس هو إلياس ..

#- قلت خالد صاحب الرسالة:  فهذا قول بعيد جدا .. إذ لماذا يفرق القرآن بينهما في الإسم طالما كلاهما واحد ؟!!

- ولا نعلم صحة ما هو منسوب لابن عباس وبن مسعود .. فقد يكون ما بلغنا عنهما بأسانيد تالفة .. وما أكثر ذلك .. وهذا ما أظنه .. لكن يكفينا أن القرآن ذكر اسمين مختلفين فهما لنبيين بلا ريب .

- والله أعلم .

 

ج- محتمل يكون قوله (مرحبا بالأخ الصالح) وليس (بالإبن الصالح) كما قال آدم وإبراهيم .. فذلك لأنه فعلا ليس من سلسلة نسبه كما ظن بعض المؤرخين .. لأن هذا التصور للنسب إنما أخذوه من التوراة المحرفة.. واستدلوا في ذلك بدليلين:

 

- الأول: قال البعض: أن القرآن يخبرنا بأن أول الأنبياء هو نوح .. وذلك من قوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) النساء:133.. وبما أن ادريس نبيا .. فيكون مجيئه بعد نوح .. لأنه لو كان يوجد نبيا قبل نوح لكانت الآية بدأت به.

 

#- قلت خالد صاحب الرسالة: وهذا خطأ .. لأن الآية تكلمت عن بداية العالم الثاني من بعد الطوفان والذي كان بدايته هو نوح عليه السلام ولذلك بدأت الآية بذكر نوح ..، وهذا لا يعارض أن كان قبله إدريس وقبله شيث وقبله آدم..، وإلا فلا يعقل أن يكون أول نبي هو نوح وما قبل ذلك لم يوجد أي نبي ؟!! وكيف كان الله يوحي لآدم حينئذ ؟!!

 

- الثاني: قال البعض: أن دليل أن أول الرسل هو نوح ولم يكن قبله رسول .. هو ما جاء في حديث الشفاعة: (اذْهَبُوا إلى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فيَقولونَ: يا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إلى أَهْلِ الأرْضِ، وسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، أَما تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إلى ما بَلَغَنَا؟ أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إلى رَبِّكَ؟ فيَقولُ: رَبِّي غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، نَفْسِي نَفْسِي، ائْتُوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ...) صحيح البخاري.

 

- فهذا الحديث يثبت أن نوح أول الرسل على الأرض.

 

#- قلت خالد صاحب الرسالة: نعم هو أول الرسل على الأرض بعد الطوفان .. وقد يكون أول الرسل في نزول كتاب سماوي إليه فيه رسالة تشريع وتعبد بكلامه .. وهذا لا يمانع أن يكون إدريس كان من قبله لأن إدريس كان نبيا ولم يكون رسولا .. إذ قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) مريم56-57.

 

- إذن: فما كان قبل نوح هم أنبياء .. ولكن أول رسول نزل عليه كتاب سماوي فهو نوح ..

 

#- والفرق بين النبي والرسول: أن الرسول ينزل عليه كتاب من السماء فيه تشريع ويكون للتعبد .. والنبي يكون تابع لهذا الرسول الذي كان قبله .. فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول ..

 

- ومجملا .. مسألة وجود إدريس في سلسلة نسب النبي .. لا دليل فيها على ذلك ليثبت ذلك أو لينفيه.

- والله أعلم .

 

د- وقيل: محتمل أن يكون قال إدريس لفظ (الأخ) تلطفا وتواضعا ..

#- قلت خالد صاحب الرسالة: نعم محتمل.. إذ قد يكون إدريس عليه السلام أراد أن يتلطف معه ويأنس بالكلام معه في غير هيبة منه فلاطفه بلفظ الأخ بدلا من لفظ الإبن .. وهو في ذلك صادق لأن المؤمنون إخوة آباء وأبناء.

 

@- ولكن ما الذي يجعله بتلطف في ذلك المكان بلفظ الأخ بدلا من لفظ الأب وهو في موضع ترحاب ومن المفترض أنه يكون فخور بملاقاة ابنه لو كان ابنه .. وإلا لكان قال لفظ الأخ أيضا آدم وإبراهيم عليهما السلام لملاطفة النبي ؟!!

- والله أعلم .

 

#- ثالثا: أقول لك أخي الحبيب رأيي الخاص في قول إدريس (مرحبا بالأخ الصالح).. مع تذوق لفهم (الاخ الصالح) ..

1- خد بالك وانتبه جيدا أخي الحبيب لما سأخبرك به .. إلى أن لفظ (الأخ الصالح) ليس إشكالية في الحديث .. إلا عند من ابتدع واخترع سلسلة نسب للنبي إلى آدم عليه السلام ..

- فخد بالك من هذه الجزئية .. أن المشكلة عند هؤلاء .. وليس في رواية الحديث أصلا ..!!

- فلفظ (الأخ) على لسان إدريس .. إشكاليته عند من يعتقد أن ادريس من سلسلة نسب النبي .. ولذلك ذكرت هذه المسألة لمن يظن بهذا المعتقد فيتحير حينئذ ويقول كيف يكون إدريس جد النبي ويصفه بالأخ ؟!!

- وحتى على افتراض أنه جد للنبي .. فهو مجرد لفظ في القصة يحتمل التأويل .. ولا يؤثر على قصة المعراج في شيء ..

 

2- ومن رأيي أن لفظ (الأخ الصالح) .. هي مسألة تنويرية للعلماء ليتحرروا مما قام البعض بتلفيقه لنسب النبي دون دليل عليه .. بل ليمحو ما كتبه بعض العلماء في نسب النبي بما لا دليل عليه .. وأخذوه من مصادر لا دليل فيها على ما ذكرته من نسب النبي ..!!

 

#- ليه قلت كده أخي الحبيب ؟

- لأنه لا يوجد دليل واحد يقول أن إدريس عليه السلام من آباء النبي .. إذن فمن أين أتى بعض العلماء بسلسلة نسب النبي إلى آدم عليه السلام ؟

- أتوا بها من الظن الذي لا دليل عليه .. وأخذوا هذا النسب من سيرة ابن سحاق التي ذكرها عنه ابن هشام في سيرته .. وابن اسحاق أتى بهذا النسب من الوهم الذي لا دليل عليه في ذلك .. ولا نعرف من أين اتى بمصدر هذا النسب من بعد "عدنان" ..!!

 

- وإنما نسب النبي المجموع عليه عند العلماء باتفاق دون خلاف هو النسب الآتي:

- هو مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ .. واسم عبد المطلب شيبة، ابن هاشم واسمه عمرو، ابن عبد مناف واسمه المغيرة، ابن قصي واسمه زيد، بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ بنِ فِهْرِ بنِ مَالِكِ بن النضر بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة، واسمه عامر بنِ إِلْيَاسَ بنِ مُضَرَ بنِ نزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عدنان .. وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم -صلى الله عليهما وعلى نبينا وسلم".

 

- فقط هذا هو النسب الذي يعلمه كل علماء المسلمين واتفقوا عليه .. وما بعد الجد "عدنان" .. لا نعلم شيئا عن نسب النبي صلى الله عليه وسلم .. إلا ظنا ووهما وجهلا وتخرصا وجرأة على النبي .. بما لا دليل عليه..

- والله أعلم .

 

3- وسبب ما ذكرته لك .. حتى لا يأتيك أحد المرجفين من أعداء قصة المعراج .. ويخبرك أن رواية المعراج باطلة .. ودليل ذلك أن إدريس قال للنبي (مرحبا بالأخ الصالح) في حين هو جده .. فكيف تصح الرواية ؟

 

- فاصدمه واقذفه بقولك: هذا يعتبر إشكالية على خرافة أنت تعتقدها بأن النبي إدريس من سلسلة نسب النبي .. فإن لم تأتي بالدليل اليقيني على ذلك وليس نقلا من أوهام ابتدعها البعض في نسب النبي .. فلا يوجد إشكالية حينئذ في رواية الحديث .. بل أنت الذي تبحث عن وجود إشكاليات لترجف بها المؤمنين بالكذب في إبطال قصة المعراج.. وحالك شاهد عليك.

 

4- ومما جال بخاطري في سبب وصف إدريس للنبي بأنه الأخ الصالح .. أن الأخوة هنا أخوة مشابهة في العروج والعرفان الخاص .. فإذا كان إدريس المرفوع لمكانة العليا حال كونه بجسده في زمنه حتى توفاه ربه في السموات بعد رفعه للسموات .. فكانت الإشارة للنبي بالأخ أي للدلالة على المشابهة في مسألة الرفع بالجسد في حال حياته إلى السموات .. وإذا كان إدريس له معرفة خاصة فالنبي صلى الله عليه وسلم سيد أهل العرفان لأنه النبي الأمي الصالح لمقام الخصوصية في حضرة ربه.

- والله أعلم.

 

#- ملحوظة أخي الحبيب عن هذا الفصل:

-  لم أتكلم عن المعراج الثاني ولقاء سيدنا عيسى ويحيى .. لأنه لم يكن على هذه المقابلة أي مسائل أو تعليقات قد صادفتها .. والله أعلم.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .