ج94: قصة الإسراء والمعراج - هل شجرة سدرة المنتهى داخل الجنة أم خارج الجنة - كيف يكون نهر النيل والفرات وسيحان وجيحان من أنهار الجنة - هل أحاديث المعراج فيها تناقض في عدد أنهار الجنة - كيف يكون نهر النيل والفرات من أنهار الجنة لأنه مناقض لحديث (فيها ما لا عين رأت) ومناقض لقوله تعالى (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم).

  بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الرابع والتسعون)

#- فهرس:

:: الفصل الرابع والتسعون :: عن رحلة المعراج – ج8/ مسائل عن المعراج عند وصول النبي للسماء السابعة وسدرة المنتهى ::

1- س229: هل شجرة سدرة المنتهى داخل الجنة أم خارج الجنة ؟

#- أولا: قول بعض العلماء أن سدرة المنتهى داخل الجنة.

#- ثانيا: قول بعض العلماء أن سدرة المنتهى خارج الجنة.

2- س230: كيف يكون نهر النيل والفرات وسيحان وجيحان من أنهار الجنة ونراها ونشرب منها في حين أن الجنة عطائها في الآخرة فقط ؟

3- س231: هل أحاديث المعراج فيها تناقض في عدد أنهار الجنة ؟  

4- س232: كيف يكون نهر النيل والفرات من أنهار الجنة ونراها ونشرب منها وذلك حينئذ مناقض لمعتقد أن عطاء الجنة في الآخرة ومناقض لحديث (فيها ما لا عين رأت) ومناقض لقوله تعالى (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ) ؟

*******************

:: الفصل الرابع والتسعون ::

*******************

..:: س229: هل شجرة سدرة المنتهى داخل الجنة أم خارج الجنة ؟ ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- من المسائل الخلافية بين العلماء مسألة مكان سدرة المنتهى .. هل داخل الجنة أم خارج الجنة ؟

 

#- أولا: قول بعض العلماء أن سدرة المنتهى داخل الجنة ..

- ستجد بعض العلماء يذكرون أن شجرة سدرة المنتهى في داخل الجنة .. وقد يكون من أدلتهم مثل الآتي:

1- جاء في (حديث صحيح) .. عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَا (أي بينما) أَنَا أَسِيرُ فِي الجَنَّةِ .. إِذْ عُرِضَ لِي نَهْرٌ .. حَافَّتَاهُ (أي على جوانبه) قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ (أي جواهر من اللؤلؤ تملأ جانبه) ، قُلْتُ لِلْمَلَكِ: مَا هَذَا ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ (ومعناه الكثير الخير) الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ .. قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى طِينَةٍ (أي من قعر هذا النهر) فَاسْتَخْرَجَ مِسْكًا .. ثُمَّ رُفِعَتْ لِي (أي رأيت) سِدْرَةُ المُنْتَهَى (أي فذهبت إليها) فَرَأَيْتُ عِنْدَهَا نُورًا عَظِيمًا) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.

- وقد يكون المقصد هنا أنه بعد دخوله الجنة .. ارتفع لأعلى مقام فيها وهو الفردوس الأعلى وفيه سدرة المنتهى ..

2- جاء في (حديث صحيح) .. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا .. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَبِّئُ النَّاسَ بِذَلِكَ ؟ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ .. كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ .. فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ .. فَإِنَّهُ أَوْسَطُ (أي أرقى مستويات) الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ .. وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ .. وَمِنْهُ (أي من الفردوس) تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ) صحيح البخاري.

 

- فلما كان أعلى الجنة وآخرها هو الفردوس وهو ما يتفجر منه الأنهار .. فتكون سدرة المنتهى في أعلى منطقة في الفردوس الأعلى .. وبعدها مستوى صريف الأقلام الذي قد يكون مستوى من مستويات العرش أو قد يكون في مستوى قبل العرش مباشرة .. والله أعلم .

 

3- جاء في (حديث صحيح) .. عن حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ .. كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ) صحيح مسلم.

 

#- وسيحان وجيحان: ببلاد خراسان .. ويقال: سيحون وجيحون .. وظاهر هذا الحديث: أن أصل هذه الأنهار ومادتها من الجنة. (قاله أبو العباس القرطبي في المفهم ج7 ص186).

 

#- وجاء في (حديث حسن) بلفظ آخر ..  عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فُجِّرَتْ أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنَ الْجَنَّةِ: الْفُرَاتُ، وَالنِّيلُ، وَسَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: حديث صحيح وإسناده حسن.

 

#- وجاء في (حديث حسن) بلفظ آخر .. أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ فُجِّرَتْ مِنَ الْجَنَّةِ: الْفُرَاتُ، وَالنِّيلُ: نِيلُ مِصْرَ – وَسَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ) رواه أبو يعلى في مسنده .. وقال محققه الشيخ حسين سليم أسد: إسناده حسن.

 

4- وجاء في (حديث ضعيف جدا) .. عن مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْإِصْطَخْرِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ كَثِيرٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْيَمَامِيُّ، نَا نَصْرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، ثَنَا أَبِي، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَرْبَعَةُ أَجْبَالٍ مِنْ أَجْبَالِ الْجَنَّةِ، وَأَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، فَأَمَّا الْأَجْبَالُ: فَالطُّورُ، ولُبْنَانُ، وطورُ سَيْنَاءَ، وطورُ زَيْتًا، وَالْأَنْهَارُ مِنَ الْجَنَّةِ: الْفُرَاتُ، وَالنِّيلُ، وَسَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ) رواه الطبراني في الأوسط .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث ضعيف جدا .. وفيه (محمد بن موسى الأصطرخي) وهو شيخ مجهول ..، وفيه (الحسن بن كثير) وهو مجهول ..، وفيه (نصر بن يحيى بن أبي كثير) مجهول وقد انفرد بن حبان بتوثيقه ..، و(يحيى بن سعيد اليمامي) لم أجد له ترجمة ويروي عنه (محمد بن منصور الطوسي) . 

 

#- وبناء على ما سبق من الحديث الصحيح والحسن في الروايات السابقة .. فيظهر أن نهري النيل والفرات من الجنة .. وبما أن في رواية المعراج جاء عن النبي أن نهري النيل والفرات من أصل سدرة المنتهى ... فيكون شجرة سدرة المنتهى في الجنة وليس خارج عنها .. إلا أنها في أعلى مكان في الجنة في الفردوس الأعلى ..

 - أي طالما النيل والفرات من الجنة .. ومنبعهما من سدرة المنتهى .. فيكون سدرة المنتهى في أعلى منطقة في الفردوس الأعلى في الجنة.

 

5- وقد يحتج اصحاب هذا الرأي بقوله تعالى: (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى) النجم: 14-15... ولعل المقصد هو: عند سدرة المنتهى التي يوجد عندها جنة المأوى .. (وإن كان هذا التفسير في نفسي شيئا منه .. أي لا أقبله) ..!!

 

#- ملحوظة هامة: كل ما ذكرته سابقا إنما هو محض اجتهاد مني في تصور ما قد يحتج به أصحاب هذا الرأي من أدلة .. وليس أن أحد العلماء ممن ذكر هذا الرأي قد ذكر هذا الكلام بالتفصيل السابق .. والله أعلم.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) .. تعقيبا على أصحاب هذا الرأي السابق:

- بالرغم من وجاهة هذا الرأي إلا أن له ردود يمكن أن تقال عليه .. وهذا ما أذكره في أصحاب الرأي الثاني .. الذين قالوا أن سدرة المنتهى خارج جنة المأوى.

 

#- ثانيا: الرأي القائل بأن سدرة المنتهى خارج الجنة.

- بعض العلماء مال إلى أن سدرة المنتهى خارج الجنة في مكان قريب منها .. وأتصور أن البعض يمكن أن يرد على الرأي السابق ويحتج بالآتي:

1- أما عند قوله تعالى: (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى) النجم: 14-15..، فنلاحظ أن القرآن قال أن عند سدرة المنتهى عندها توجد جنة المأوى .. ولم يقل القرآن أن جنة المأوى فيها سدرة المنتهى .. فعلمنا بذلك – والله أعلم .. أن جنة المأوى وسدرة المنتهى كلاهما في منطقة المنتهى مع اختلاف مكانهما ..

2- لو كانت شجرة سدرة المنتهى في الجنة .. فلماذا لم يقل النبي أن سدرة المنتهى من الجنة أو أنه دخل للجنة حتى وصل لسدرة المنتهى ..؟!!

3- تفجير الأنهار من الجنة ليس معناه بالضرورة أن يكون الجنة منبعها .. وإنما اندفاع المياه بقوة لهذه الأنهار كالشلالات هو من الجنة .. ولكن منبعها أو أصلها هو سدرة المنتهى.. فإذا مرت على الجنة تدفقت منفجرة بقوة كالشلالات ..

- أو يكون معنى (فُجِّرَتْ أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنَ الْجَنَّةِ) أي أنه فجرت في الأرض أربعة أنهار هي مما يمر على الجنة إمداد من سدرة المنتهى ...

- ويكون وصف هذه الأنهار من الجنة .. فذلك ليس باعتبار منبعها من الجنة حينئذ .. لا .. ولكن باعتبار مرورها فيها واكتساب عذوبتها منها .. ولذلك أصبح الوصف ملازم لها لاستمرار مرورها من الجنة ..

 - فأصل منبع أنهار الدنيا هو من عند شجرة سدرة المنتهى أو منطقة سدرة المنتهى .. والتي هي خارج الجنة وليست بداخل الجنة .. ولكنها تمر على الجنة ..

- ويكون حكمة مرور هذه الأنهار في الجنة .. هو حتى تكتسب جمال عذوبتها من مرورها في أرض الجنة .. حتى تروي الأرض ومن عليها.. والله أعلم.  

 

4- ولو قلنا أن سدرة المنتهى داخل الجنة .. فهذا معناه أن ما فوق السماء السابعة هو الجنة كلها وبعدها العرش .. وهذا مخالف لظاهر أحاديث المعراج .. التي يظهر منها أن سدرة المنتهى خارج جنة المأوى .. مثل التالي:

أ- وجاء في (حديث حسن) .. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. ومما جاء في الرواية: (.... فَعَرَجَ بِي حَتَّى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَفَتَحَ، فَأَدْخَلْتُ الْجَنَّةَ فَأُعْطِيتُ الْكَوْثَرَ، وَهُوَ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ، شَاطِئُهُ يَاقُوتٌ مُجَوَّفٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ .. ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى ....) رواه ابن خزيمة في التوحيد .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث حسن .. وسبق تخريجه في الفصل الثامن والأربعون تحت عنوان (س119: هل دخل النبي الجنة أولا عند سدرة المنتهى أم ذهب لسدرة المنتهى عند مقام الخصوصية ولقاء الله مباشرة ثم عاد إلى الجنة ؟).

 

#- وقوله (ثم عرج بي حتى جاء سدرة المنتهى): فيه انتقال من الجنة إلى سدرة المنتهى .. ولو كانت سدرة المنتهى في الجنة ما كان قال النبي أنه تم العروج به إليها بعد أن كان في الجنة فعلا ..

 

ب- جاء في (حديث صحيح) .. عن سَعِيدٌ وَهِشَامٌ قَالاَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. ومما جاء في الرواية: (.... وَرُفِعَتْ لِي (أي أخذ بيدي جبريل وانتقلت إلى) سِدْرَةُ المُنْتَهَى .. فَإِذَا نَبِقُهَا (أي ثمرها) كَأَنَّهُ قِلاَلُ (أي وعاء يوضع فيه الماء) هَجَرَ (اسم قبيلة كانت تصنع هذه القِلال) .. وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ (أي الفيلة جمع فيل وهو الحيوان الضخم الحجم) .. فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ .. نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ .. فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ .. فَقَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ: فَفِي الجَنَّةِ (أي نهري الكوثر والسلسبيل في رأي بعض العلماء) .. وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: النِّيلُ (أي نهر النيل في مصر) وَالفُرَاتُ (أي نهر الفرات في بغداد) .. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً ...) صحيح البخاري.

#- ملحوظة: هذه الرواية السابقة .. فيها اختصار .. لأن بعد رؤية الأنهار دخل النبي الجنة ثم وصل لسدرة المنتهى وتجلى الله عليه بالنور ثم صعد لمستوى صريف الاقلام ثم مقام الخصوصية ..

 

#- وقال الإمام أبو العباس القرطبي رحمه الله (المتوفى: 656 هـ): وقوله في حديث مالك بن صعصعة: (إن سدرة المنتهى يخرج من أصلها أربعة أنهار، نهران باطنان في الجنة، ونهران ظاهران وهما النيل والفرات) .. يدلّ على أنّ السدرة ليست في الجنّة .. بل خارجًا عنها. وعلى ذلك أيضًا يدلّ قوله تعالى: (عِندَهَا جَنَّةُ المَأوَى) . (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ج1 ص390).

 

ج- وجاء في (حديث صحيح) بلفظ آخر .. عن يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ مَالِكَ بْنَ صَعْصَعَةَ حَدَّثَهُمْ عن نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. ومما جاء في الحديث: (ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفُيُولِ، وَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ يَخْرُجْنَ مِنْ أَصْلِهَا .. نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ .. فَقُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ: أَمَّا النَّهْرَانِ الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ .. وَأَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ .. قَالَ: فَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا خَمْرٌ وَالْآخَرُ لَبَنٌ، قَالَ: فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين. شيبان: هو "ابن عبد الرحمن النَّحْوي".

 

#- ملحوظة: هذه الرواية السابقة .. فيها اختصار .. لأن بعد رؤية الأنهار دخل النبي الجنة ولعله تم ضيافته فيها .. ثم وصل لسدرة المنتهى وتجلى الله عليه بالنور ثم صعد لمستوى صريف الاقلام ثم مقام الخصوصية ..

 

@- فتأمل قول الحديث (أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ يَخْرُجْنَ مِنْ أَصْلِهَا) ثم قوله (الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ .. وَأَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ) .. فلو كانت سدرة المنتهى في الجنة ما كان النبي سأل جبريل عن هذه الأنهار لأنه سيكون مفهوم أن هذه الأنهار في الجنة .. فلماذا يسأل النبي جبريل عن هذه الأنهار لو كان رآهم في الجنة ؟!!

 

- بل رد جبريل على النبي بأن (النهران الباطنان في الجنة) .. فهذا الرد يشعرنا بأنهما لم يكونا في داخل الجنة .. لأنهما لو كانا في الجنة فعلا لكان قال جبريل (نهران باطنان يمران في تلك الجنة) ..

 

- ويكون لفظ (أصلها) بما جاء في أحاديث المعراج: (فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ) عند البخاري ..، وفي رواية بلفظ: (أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ يَخْرُجْنَ مِنْ أَصْلِهَا) عند أحمد .. وفي رواية بلفظ: (رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجْنَ مِنْ أَصْلِهَا) رواه أبو عوانة ومسلم...، يقصد به ظاهره .. أي منبع هذه الأنهار من سدرة المنتهى .. إلا أنها تتفجر بقوة في داخل الجنة منفعة كالشلالات .. ومنها يستمر فيها نهرين وهما الكوثر والسلسبيل .. ولكن يخرج منها نهرين أو أربعة أنهار وهم النيل والفرات وسيحان وجيحان أو ما هو أكثر من ذلك .. إذ أن النبي لم يقل بأن أنهار الجنة النازلة للأرض هم أربعة فقط .. وإنما ذكر لنا أربعة فقط حسب ما بلغنا عنه..

 

- ومعنى الظهور: هو يمكن لمسهم والشرب منهم ويمكن وصولهم لأهل الدنيا .. ومعنى البطون: هو الحجب والستر في الجنة بما لا تستطيع الأيدي لمسه ولا الشرب منه من أهل الدنيا .. فوصف النهرين بالباطنين ليس باطنين عن الرؤية .. وإنما لحجبهما عن اللمس والتذوق .. إلا لمن دخل الجنة ..

 

5- وجاء في (حديث صحيح) .. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (..... ثُمَّ انْطَلَقَ بِي، حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ؟ ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ .. فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا المِسْكُ) صحيح البخاري.

 

#- قال الإمام ابن الملقن رحمه الله (المتوفى: 804هـ): وقوله: (ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ) فيه: ما قد يدل عَلَى أن السدرة .. ليست في الجنة.(التوضيح لشرح الجامع الصحيح ج5 ص256).

 

#- ذكر الإمام الصنعاني رحمه الله (المتوفى: 1182هـ) – في جزئية (حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى .. ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ):

- وقال ابن عبد السلام: فيه أن سدرة المنتهى ليست في الجنة. (التنوير شرح الجامع الصغير ج7 ص480).

@- ملحوظة: هذا الحديث كلمة (ثم) فيه ليست على الترتيب الزمني .. وإنما بمعنى (الواو) أي بمعنى ومما قيل في القصة كذا .. وقد سبق الكلام على هذه الرواية في الرسالة..، فالظاهر أو دخول الجنة كان أولا .. الوصول لسدرة المنتهى .. ولا مانع أن النبي دخل الجنة حين عودته من مقام الخصوصية .. فقد قال بذلك بعض العلماء اعتمادا على الرواية السابقة .. والله اعلم .

#- خلاصة القول:

أ- البعض من العلماء وخاصة مفسري القرآن يقول: أن وجود شجرة سدرة المنتهى داخل الجنة في الفردوس الأعلى ..

 

ب- والبعض من العلماء وخاصة مفسري الأحاديث يقول: أن وجود شجرة سدرة المنتهى خارج الجنة وتمد الفردوس الأعلى بالأنهار الأربعة.

 

@- وعن رأيي الخاص: أميل للرأي القائل بأن شجرة سدرة المنتهى خارج الجنة .. والله أعلم.

 

#- ملحوظة: سبق وذكرت أن أدلة الآراء لكلا الفريقين سواء أدلة شرعية أو عقلية .. إنما هي من تصوري واجتهادي الخاص لما يمكن أن يحتج به البعض في ثبوت رأيه .. ولم أجد أحد ذكر أدلة وتفاصيل كلا الرأيان .. ولعل ذلك لأن المسألة لم يجدوها محل اهتمام .. والله أعلم.

 

***********************

..:: س231: هل أحاديث المعراج فيها تناقض في عدد أنهار الجنة ؟ ::..

1- جاء في حديث المعراج في (حديث صحيح) .. عن سَعِيدٌ وَهِشَامٌ قَالاَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. ومما جاء في الرواية: (.... وَرُفِعَتْ لِي (أي أخذ بيدي جبريل وانتقلت إلى) سِدْرَةُ المُنْتَهَى .. فَإِذَا نَبِقُهَا (أي ثمرها) كَأَنَّهُ قِلاَلُ (أي وعاء يوضع فيه الماء) هَجَرَ (اسم قبيلة كانت تصنع هذه القِلال) .. وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ (أي الفيلة جمع فيل وهو الحيوان الضخم الحجم) .. فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ .. نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ .. فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ .. فَقَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ: فَفِي الجَنَّةِ (أي نهري الكوثر والسلسبيل في رأي بعض العلماء) .. وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: النِّيلُ (أي نهر النيل في مصر) وَالفُرَاتُ (أي نهر الفرات في بغداد) .. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً ...) صحيح البخاري.

 

2- ولكن جاء في (حديث صحيح) .. عن حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ .. كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ) صحيح مسلم.

 

- ومما سبق يتبين: أن مجموع ما ظهر من الروايات عن الأنهار هم ستة أنهار .. أربعة ظاهرين لأهل الدنيا (سيحان وجيحان والنيل والفرات) .. واثنين محجوبين عنهم وهما (الكوثر والسلسبيل) وهما مخصصين لأهل الآخرة.. إذ لا صلة لهم بأهل الأرض.

 

#- والبعض قد يظن بوجود تعارض .. لأن في رحلة المعراج قيل بوجود نهرين ظاهرين لأهل الدنيا في حين جاء في حديث آخر أن الظاهر لأهل الدنيا هما أربعة أنهار ؟!!

 

- والحقيقة هذا ليس تعارض .. فما قيل في المعراج هو ما حكاه النبي عن رؤية رآها لبعض الأنهار وسأل عنها جبريل .. ثم في وقت آخر أخبره الوحي بعد ذلك بأن من الأنهار الموصولة من الجنة بالأرض أربعة أنهار .. وهم النيل والفرات وسيحان وجيحان..

 

- وخد بالك: أن النبي لم يقل أن الأنهار الموصولة من السماء بالأرض هم أربعة فقط .. لا .. وإنما ذكر أربعة .. وقد يكون هناك أنهار أخرى لا نعلمها وموصولة بالجنة أيضا .. والله أعلم .

 

- وإنما كان يقال هناك تعارض إذا جاءت رواية تقول أن النبي رأى في رحلة المعراج أربعة أنهار .. ثم في رواية أخرى قالت الرواية أنه رأى ستة أنهار .. فهنا يكون تعارض .. ولكن هذا لم يحدث ..!!

- فانتبه أخي الحبيب .. وكن بصير .

 

@- ملحوظة هامة جدا: إذا كان النبي في المعراج قد رأى نهري النيل والفرات ليلة المعراج .. فهذا ليس معناه أنه لم يرى غيرهما .. وإنما هو قال ما كان مصرح له به أن ينطق به حين رجوعه من المعراج ..، ثم لما أذن له الله بأن يزيد في المعلومة فقد قال في مجلس آخر أن من أنهار الأرض أيضا ما هو ممدود من أنهار الجنة .. وهما نهري سيحان وجيحان ..

- فانتبه لهذه الجزئية يرحمك الله ..

- والله أعلم .

**********************

 ..:: س232: كيف يكون نهر النيل والفرات من أنهار الجنة ونراها ونشرب منها وذلك حينئذ مناقض لمعتقد ان عطاء الجنة في الآخرة ومناقض لحديث (فيها ما لا عين رأت) ومناقض لقوله تعالى (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ) ؟ ::..

 

#- من شبهات منكري المعراج .. أن في أحاديث المعراج أتت أحاديث أخبرتنا بأن النيل والفرات من الجنة .. فكيف يكون ذلك إذا كان عطاء الجنة في الآخرة .. والحديث القدسي يقول عن الجنة أن فيها ما لا عين رأت .. وها نحن قد رأينا نهري النيل والفرات بل وشربنا منه ؟!!

- أليس هذا دليل على بطلان أحاديث المعراج ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- سبق وذكرنا أن مجموع ما يظهر في الأرض ممدودا من الجنة هو أربعة أنهار (النيل والفرات وسيحان وجيحان) .. وكيفية تفجير هذه الأنهار في الأرض في حين هي ممدودة من الجنة من فوق سبع سموات .. فهذا سؤال لا يتوقف أمامه مؤمن لأنه بديهي سيقول بقدرة من الله العلي القدير .. كما خلق آدم بغير أب وأم .. وأخرج الناقة من الصخر لصالح عليه السلام .. وسخر الريح والشياطين لسليمان .. وغير ذلك من مخالفات قانون الأسباب .. وفضل ربنا كبير .. (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ) المنافقون:7.

 

#- أما عن جزئية .. كيف يكون للجنة أنهار تنبع منها ولها ظهور في الأرض ونراها ونشرب منها .. إذا كانت الجنة مما لا عين رأت وأذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. بل ويقول تعالى: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ) السجدة:17 ؟!!

 

- وهذا قد جمعه حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ، مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) ..، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) السجدة:17) صحيح البخاري.

 

#- وإليك الجواب أخي الحبيب .. إذ قلت (خالد صاحب الرسالة):

- لا يوجد إشكالية ولا غيره .. ليه ؟

1- لأنه لم يتم الإنتباه للفظ (فيها) .. من قوله (فيها ما لا عين رأت) .. فهذا ليس معناه أن كل ما فيها لم تراه العين من قبل .. وإنما (فيها) أي فيها من العجائب والغرائب ما لم تراه من قبل العين ولم تسمعه الأذن ولم يخطر على قلب بشر .. وليس كل ما فيها لم تراه العين لأن الله قال: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا) البقرة:25..، فقوله (متشابها) يدل على تشابه الشكل الذي كان في الدنيا مع اختلاف المذاق واللذة في الطعم .

 

#- فقوله: (وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا) البقرة:25..، يوضح لنا أنه يوجد بعض أشياء من الجنة فيها تشابه شكلي شبيهة بأشكال دنيوية .. كالفواكه وإن اختلفت في مذاق الطعم ولذته.. وبعض الأنهار كما يظهر لنا من الحديث فظاهرها واحد ولكن ستتبدل وتتغير أوصافها لغير ما أنت تعرفه .. فأنت في الدنيا تراها متعكرة أحيانا وفيها ما يعيب الشرب منها إلا لو صفيتها وأخذت احترازك منه وفيها من الأنواع الحياة ما قد يؤذيك .. بخلاف الأخرة الذي يكون فيها كل شيء نقي وطاهر وصافي وبلا مشقة في الحصول عليه ولا أذى يصادفك.

 

#- فإذا كان عطاء أهل الدنيا من فضل ربهم عليهم وجود أربعة أنهار من الجنة .. ولعل يوجد غيرهم أيضا إذ ان النبي لم يقل أنها أربعة أنهار فقط .. إلا أن هذه الأنهار عطاء دنيوي .. فيه تكريم من رب العالمين لأهل الأرض بأن رزقهم شيئا من الجنة جعله لهم ينتفعون به .. كهدية من الله لعباده في الأرض ليحمدوه عليها كنعمة من سائر نعمه .. ولكن بالتأكيد ليس مثل العطاء الأخروي في الجنة من تغيير الأوصاف لتتناسب مع تكريم أهل الجنة .. فيبدل الله أوصافها بأوصاف لا يعلمها البشر .. أو يخلق غيرها بدلا منها .. والله قدير.

 

@- إذن: رؤية المؤمنين للأشياء داخل الجنة ستكون على صنفين ..

- الأول: من حيث ما ليس له مثيل في الدنيا شكلا وصفة وهيئة .. وطعما وذوقا وراحة وسكنا وملبسا وغير ذلك .. أي لم يخلق الله مثله في الدنيا وإنما اختص بخلقته في الجنة فقط للمؤمنين به جل شانه.

 

- الثاني: ما هو متشابه لشكله في الدنيا أو اسمه .. ويشترك معه ما كان من مدد الله لنا من جنته فرزقنا بشيء منه في الحياة كأنهار الحياة على الأرض .. فالله يبدل الله أوصافه عند الدخول فيها ..

 

#- وبهذه الإجابة كافية جدا .. للرد على الشبهة .. إذ أن رؤية بعض مظاهر الأشياء في الدنيا .. ليس معناه أننا لا نراها في الآخر كمظهر وشكل .. لا .. وإنما سنرى بعض مظاهر من أشكال الحياة في الجنة ولكن مع اختلاف تكوينها وطبيعتها وهيئتها وأذواقها وطعومها .. بل وسيكون هناك أيضا في الجنة ما لم تره العين من قبل ولم تسمعه الأذن ولم يخطر على قلب بشر ..

 

2- أما من حيث قوله تعالى (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ) السجدة:17 .. فهذا طبيعي جدا أن لا تعلم نفس ما أخفي عنها من عطاء ربها لها .. فمن هذا الذي يعرف ؟!! سواء كان العطاء من متشابه الدنيا الشكلي .. أم مما لم يخلقه الله إلا في الجنة فقط ولم يسبق له نظير في الدنيا ؟!!

 

3- ملحوظة هامة جدا:

أ- بعض العلماء كالإمام بن كثير وغيره .. قد ذكر أن وصف الأنهار الأربعة (النيل والفرات وسيحان وجيحان) بأنهم من الجنة .. على  أن ذلك على شبيه التشبيه بعذوبة هذه الأنهار بعذوبة أنهار الجنة .. كالذي يرى يوما سعيدا له جدا فيقول وكأنه يوم من أيام الجنة .. أو يأكل طعاما طيبا من اللحم فيقول هذا من أكل الجنة .. أو ما شابه.

 

#- ولكن هذا الرأي بالرغم من وجاهته .. إلا أنه توجد فيه مشكلة تقابل أصحابه .. وهو أن أصحاب هذا الرأي لم ينتبهوا إلى أن حديث المعراج أثبت فعلا وجود نهري النيل والفرات عند سدرة المنتهى .. فوجودهما حقيقي عند سدرة المنتهى .. وبالتالي لا يصح تحميل حديث الأنهار الأربعة (نيل وفرات وسيحان وجيحان) على أنهم وصف تشبيهي بأنهار الجنة لحلاوة عذوبتهم .. !! إذ كان يقال هذا الكلام لو لم يظهر في حديث المعراج أن النبي رأى النيل والفرات فعلا عند سدرة المنتهى ..!!

 

- ولذلك اجتهدت في المسألة .. وذكرت ما سبق من حل إشكاليات هذه المسألة .. والله أعلم بالصواب ..

ب- معلومة: ليست أنهار الدنيا من الجنة فقط في الحياة .. وإنما يوجد أيضا الحجر الأسود الموجود حاليا في أحد أركان الكعبة .. ويشار إليه عند الطواف.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .