ج109: قصة الإسراء والمعراج - ما خصوصية كلام الله مع النبي ليلة المعراج عن كلام الله مع موسى وآدم وكلاهما كلم الله بلا واسطة - هل رؤية سيدنا إبراهيم لملكوت السموات والأرض أفضل من معراج النبي لأنه رأى بعض آيات ربه - الفرق بين رؤية إبراهيم ومعراج النبي محمد عليهما السلام.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل المائة وتسعة)

#- فهرس:

:: الفصل المائة وتسعة :: عن رحلة المعراج – ج2/ مسائل متنوعة عن المعراج ::

1- س281: ما خصوصية كلام الله مع النبي ليلة المعراج عن كلام الله مع موسى وآدم وكلاهما كلم الله بلا واسطة ؟ - أو (ما الفرق بين تكليم الله لآدم وموسى وللنبي محمد ليلة المعراج ؟)

 

2- س282: هل رؤية سيدنا إبراهيم لملكوت السموات والأرض أفضل من معراج النبي لأنه رأى بعض آيات ربه ؟ أو (هل معراج إبراهيم عليه السلام أفضل من معراج النبي محمد في ليلة المعراج ؟) أو (ما فضيلة النبي محمد ليلة المعراج على فضيلة إبراهيم وقد أراه الله ملكوت السموات والأرض ؟).

#- أولا: عن مفهوم رؤية إبراهيم لملكوت السموات والأرض الذي كاشفه به الله.

#- ثانيا: عن قوله (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) وقوله (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى).

#- ثالثا: عن الفرق بين رؤية إبراهيم ومعراج النبي محمد عليهما السلام.

*******************

:: الفصل المائة وتسعة ::

**********************

 ..:: س281: ما خصوصية كلام الله مع النبي ليلة المعراج عن كلام الله مع موسى وآدم وكلاهما كلم الله بلا واسطة ؟!! ::..

(ما الفرق بين تكليم الله لآدم وموسى وللنبي محمد ليلة المعراج ؟)

 

- من المسائل التي قد تخطر ببالك .. هو أن تقول: ما الفرق بين تكليم موسى عليه السلام وآدم عليه السلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم .. إذ أن جميعهم كان في مقام التكليم مع الله .. بل وكل نبي له وجه مع الله بأن كلمه الله وحيا .. ولكن نحن نتكلم عمن سمع الله بلا واسطة وحي .. وهم آدم وموسى والنبي محمد صلى الله عليه وسلم ..

- أو قد تقول السؤال بصورة أخرى وهي: ما خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الله كلم موسى وآدم بلا واسطة ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- لعلك لم تنتبه للفرق .. ودعني أوضح لك ذلك ببساطة ..

- كلام الله مع آدم في مكان ما في السماء وفي حضور الملائكة ..

- وكلام الله مع موسى كان في مكان ما في الأرض وفي حضور ملائكة (حسب تفسير بعض العلماء) ..

- وكلام الله مع النبي صلى الله عليه وسلم في مكان فوق سبع سموات عند العرش وكان بذاته البشرية بدون حضور أي ملائكة.

 

@- فشتان بين من كلَّمه الله في أعلى مكان خلقه الله وهو عند العرش وبدون حضور أحد في مقام خصوصية  .. بل وكان بذاته البشرية .. وبين من كلمه الله في مكان دون ذلك وبحضور ملائكة من حوله.

- والله أعلم.

 

********************

 

..:: س282: هل رؤية سيدنا إبراهيم لملكوت السموات والأرض أفضل من معراج النبي لأنه رأى بعض آيات ربه ؟ ::..

 

- قد يصادفك سؤال موجود على الإنترنت منقول من بعض كتب التفسير .. قيل فيه بما معناه: إذا كان إبراهيم قد أراه الله ملكوت السموات والأرض في قوله (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) الأنعام:75 ..، في حين معراج النبي محمد صلى الله عليه وسلم أراه بعض آياته إذ قال تعالى (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) الإسراء:1 .. وقال: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) النجم:18 ..

#- ثم يأت وضع السؤال ويقال بكذا صيغة:

- فيقال: هل رؤية سيدنا إبراهيم لملكوت السموات والأرض أفضل من معراج النبي لأنه رأى بعض آيات ربه ؟!

- أو يقال: هل معراج إبراهيم عليه السلام أفضل من معراج النبي محمد في ليلة المعراج ؟

- أو يقال: ما فضيلة النبي محمد في ليلة المعراج على فضيلة إبراهيم وقد أراه الله ملكوت السموات والأرض ؟

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- الإجابة بسيطة .. ولكن تدبر ما أذكره لك في ثلاث نقاط ..

 

#- أولا: عن مفهوم رؤية إبراهيم لملكوت السموات والأرض الذي كاشفه به الله ..

- رؤية إبراهيم عليه السلام .. كانت عن رؤية تلقين من الله له ليتدبر ويفهم حقيقة المدبر للكون والمتصرف فيه .. وذلك بدلالة ما تسلسل الآيات في قوله تعالى: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الأنعام75-79.

 

- فرؤية إبراهيم عليه السلام لملكوت السموات والأرض هي .. بمعنى رؤية تبصرة وانتباه لوجود خالق الوجود وتلقين الحجة على قومه .. فالرؤية هنا هي استعارة للدلالة على المعرفة الحاصلة في القلب بعناية الله لتحقيق يقين تام لا محل للشك فيه.

 

- وبيان ما سبق تجده في كلام الإمام الطاهر بن عاشور التالي ذكره ..

 

#- قال الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى: 1393هـ):

أ- قوله (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) .. إشارة إلى حجة مستنبطة من دلالة أحوال الموجودات على وجود صانعها.

 

- والرؤية هنا مستعملة للانكشاف والمعرفة .. فالإراءة بمعنى الكشف والتعريف، فتشمل المبصرات والمعقولات المستدل بجميعها على الحق وهي إراءة إلهام وتوفيق .. كما في قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) الأعراف:185 ..

- فإبراهيم- عليه السلام- ابتدئ في أول أمره بالإلهام إلى الحق .. كما ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرؤية الصادقة .. ويجوز أن يكون المراد بالإراءة العلم بطريق الوحي..، وقد حصلت هذه الإراءة في الماضي فحكاها القرآن بصيغة المضارع لاستحضار تلك الإراءة العجيبة كما في قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) فاطر:9. (تفسير التحرير والتنوير ج7 ص315).

 

ب- وإضافة ملكوت السماوات والأرض .. على معنى (في) ..، والمعنى ما يشمله الْمُلْكُ أَوِ الْمِلْكُ .. والمراد مُلْكُ اللَّهِ . والمعنى نكشف لإبراهيم دلائل مخلوقاتنا أو عظمة سلطاننا كشفا يطلعه على حقائقها ومعرفة أن لا خالق ولا متصرف فيما كشفنا له سوانا. (تفسير التحرير والتنوير ج7 ص316).

 

ج- (فَلَمَّا جَنَّ) تفريع على قوله: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الأنعام:75 .. بقرينة قوله: (رَأى كَوْكَباً) فإن الكوكب من ملكوت السماوات ..، وقوله في المعطوف عليه (نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الأنعام:75 ..

- فهذه الرؤية الخاصة التي اهتدى بها إلى طريق عجيب فيه إبكات لقومه ملجىء إياهم للاعتراف بفساد معتقدهم .. هي فرع من تلك الإراءة التي عمت ملكوت السماوات والأرض .. لأن العطف بالفاء يستدعي مزيد الاتصال بين المعطوف والمعطوف عليه لما في معنى الفاء من التفريع والتسبب. (تفسير التحرير والتنوير ج7 ص317).

 

@- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- قال تعالى (نُري): أي جعلناه يبصر من حقائق الملكوت ما يجعله مطمئنا من كمال قدرتنا في الوجود والهيمنة عليه .. ولفظ الرؤية وأنها من الله يفيد التحقيق من الشيء بلا أي شبهة .. أي أنه يرى بالله وليس من نفسه .. فمن يرى بالله فهو يرى بالحق كل حق دون أي تصور أو فهم خاطيء ..

 

2- وجاء بلفظ (نُري): وكان من المفترض أن يقال (أريناه) .. ولكن أتى بلفظ (نُري) الدال على الحاضر للدلالة استحضار هذا المشهد العجيب وكأنه يحدث الآن .. ولعل في ذلك إشارة إلى أن كل من يسير على هدى إبراهيم عليه السلام سيكون له نصيب من هذه المعرفة والتلقين اليقيني في القلب .. والله أعلم .

 

3- ورؤية إبراهيم لم تكن مجرد نظرة اعتبار وتفكر للتعرف على أنه للكون خالق .. لا .. بل رؤية تحقيق للواحدية ... إذ كثيرا من الناس قالوا بوجود الخالق ولكنهم انحرفوا في معرفته ... فبعضهم جعلوه صنم وبعضهم جعلوه إنسان كعيسى وبعضهم جعلوه آلهة متعددة .. وغير ذلك ..

 

- فكانت رؤية إبراهيم لملكوت السموات والأرض .. رؤية تحقيق بالله لمعرفة حقيقة المدبر للكون وأنه هو الله جل شأنه الذي ليس كمثله شيء .. مع إعطاء القدرة لإبراهيم في محاجاة قومه لهدم مفهوم الإلهة في معتقدهم ..

 

- إذن: رؤية إبراهيم عليه السلام ليست نظرة تفكر في إثبات معرفة أن للكون خالق .. وإنما رؤية يقين لتحقيق حقيقة معرفة من هو هذا الخالق المتصرف في الوجود ..

 

#- ثانيا: عن قوله (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) وقوله (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)..

- لم يقل أحد: أن رؤية بعض آيات الله للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أنها كانت فقط في ملكوت السموات والأرض .

- بل كان من آيات الله لنبيه: أن جعله يرى ما فوق السموات من عوالم الجبروت حتى العرش .. ثم رآه ربه بفؤاده ..

- وفرق بين من رأى مظاهر التجليات .. وبين من رأى المتجلي جل شأنه ..

 

#- ثالثا: عن الفرق بين رؤية إبراهيم ومعراج النبي محمد عليهما السلام ..

1- رؤية إبراهيم للملكوت السماوي والأرضي هو كشف بصيرة .. ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم للسموات والأرض هو معراج ذاتي "صعد بجسده".

- ولا يقال: على رؤية إبراهيم "معراج" .. وإنما رؤية كشفية للبصيرة لمعرفة الحق.

 

2- إذا كانت رؤية إبراهيم عليه السلام هي رؤية يقين لتحقيق حقيقة معرفة من هو هذا الخالق المتصرف في الوجود ..

- ولكن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) .. كانت عن مكاشفة تشريفية بحضوره ليكاشف بذاته حقائق الملك والملكوت والجبروت حتى رأى الله بفؤاده فوق سبع سموات .. وكان ذلك لكمال تحققه صلى الله عليه وسلم بعبوديته لمولاه ..

 

- إذن: الرؤية النبوية المحمدية لم تكن للتعرف على مولاه من خلال الملكوت .. وإنما تشريفا من مولاه له ليريه الملكوت ويعرف الملكوت كله عليه ..

 

- ففرق بين من كان رؤيته للملكوت دليله لمولاه ليكون من الموقنين .. وبين من كان رؤيته للملكوت تشريفا لكمال عبوديته لمولاه ليظهر شرفه على جميع الأنبياء والمرسلين في العالمين ..      

 

3- إذا كان إبراهيم عليه السلام أراه الله من ملكوت السموات والأرض من عالم الأفلاك .. فالنبي صلى الله عليه وسلم تخطى عوالم الملك والملكوت حتى وصل لمقام الخصوصية ورأى ربه بفؤاده ..

- وفرق بين من رأى مظاهر تجليات .. وبين من رأى المتجلي جل شأنه.

 

4- وإذا كان إبراهيم قد أراه الله ملكوت السموات والأرض .. فالنبي صلى الله عليه وسلم قد علم ما في السموات والأرض مما غاب عن أهل الأرض معرفته .. كما جاء في الحديث: (فوضع يده بين كتفي فوجدت بردَها بين ثدييّ، فعلمت ما في السماوات والأرض) .. وفرق بين من رأى وكاشف شيئا في ملكوت السموات والأرض ليتعرف على ربه .. وبين من علم وأدرك وتحقق بتفاصيل غيبية في ملكوت السموات والأرض ليزداد عرفانا بربه.. 

- والله أعلم .

 

#- خلاصة القول:

- من يقول أنه لا فضيلة لمعراج النبي على رؤية إبراهيم عليه السلام .. فقد أخطأ وابتعد كثيرا عن فهم كلام الله .. ولعل أحد أسباب الخطأ هو برمجة مخه على أن رؤية إبراهيم هي معراج .. في حين هي رؤية كشفية بصرية بدلالة الآيات ..!!

- والله أعلم .

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .