ج11: قصة النبي أيوب عليه السلام - ما الذي قيل من أحاديث نبوية صحيحة وغير صحيحة في قصة أيوب عليه السلام .

بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة قصص من كتب التفاسير

قصة النبي أيوب عليه السلام

بين الحقيقة القرآنية وخرافات في بعض الكتب التفسيرية

- مع كشف العيوب في روايات قيلت عن النبي أيوب -

- ومقارنة بين أيوب القرآن وأيوب التوراة -

- مع توضيح حقيقة (مسني الشيطان بنصب وعذاب)-

(الفصل الحادي عشر)

#- فهرس:

:: الفصل الحادي عشر :: عن قصة أيوب عليه السلام .. وما قيل فيها من أحاديث نبوية صحيحة وغير صحيحة  ::

1- س17: ما الذي قيل من أحاديث نبوية صحيحة وغير صحيحة في قصة أيوب عليه السلام ؟ 

#- أولا: الحديث النبوي الصحيح عن أيوب عليه السلام.

#- ثانيا: أحاديث ضعيفة جدا ومكذوبة على النبي.

#- ثالثا: حديث باطل وفيه من التخريف ما فيه .. وصححه البعض..!!

*******************

:: الفصل الحادي عشر ::

=================

..:: س17: ما الذي قيل من أحاديث نبوية صحيحة وغير صحيحة في قصة أيوب عليه السلام ؟ ::..

 

#- جاءت رواية صحيحة .. عن النبي صلى الله عليه وسلم قد تكلمت عن مشهد من مشاهد كرم ربنا مع أيوب عليه السلام .. وما عدا ذلك فأي روايات أخرى عن النبي لا تخلو من باطل في أحاديث قيلت عن النبي صلى الله عليه وسلم .. وإليك بيان ذلك:

 

#- أولا: الحديث النبوي الصحيح عن أيوب عليه السلام ..

أ- (حديث صحيح) .. جاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أُرْسِلَ عَلَى أَيُّوبَ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ (أي ذهب في شكل هيئة الجراد – ولعل المقصد هو من كثرة الذهب كان كالجراد – والله أعلم بمقصد النبي) .. فَجَعَلَ يَلْتَقِطُهُ (أي يجمعه).. فَقَالَ: أَلَمْ أُغْنِكَ يَا أَيُّوبُ ؟ فَقَالَ: يَا رَبِّ، وَمَنْ يَشْبَعُ مِنْ رَحْمَتِكَ "، أَوْ قَالَ: " مِنْ فَضْلِكَ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم.

 

#- وفي (حديث صحيح) .. بلفظ آخر .. عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا .. خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ (أي سرب أو جماعة) جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ .. فَجَعَلَ يَحْثِي (أي يجمع) فِي ثَوْبِهِ .. فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى ؟ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ .. وَلَكِنْ لاَ غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ) صحيح البخاري.

 

- وفي الحديث .. دلالة على جواز الإستحمام عريانا في الخلوة بعيدا عن أعين الناس (مثل مكان بعيد في الخلاء كالصحراء) والأفضل وضع ساتر أيضا زيادة ضمان .. ولم ينكر الله على أيوب فعله هذا باستحمامه عريانا في خلاء عن الناس .. أما عن الإستحمام عريانا في المنازل أو الجلوس عريانا في منزلك فهو على الإباحة مطلقا.. وراجع رسالة المعتقدات الموروثة وستجد فيها كل ما يتعلق بالعُري .. وستعرف كيف يقوم البعض عن جرأة بتحسين الضعيف ويجعلوه شريعة .. والله ورسوله برآء من ذلك ..!!

 

#- ملحوظة هامة جدا:

- الحديث الصحيح عن النبي أيوب .. لم يخبرنا متى حدث له هذا الكرم الإلهي عليه .. ولكن العلماء يرجعون هذا إلى أنه كان بعد أن عادت إليه صحته .. وأن استحمامه هذا كان بعد مغتسله بالماء واسترد به صحته وهو المغتسل الذي أرشده الله إليه .. ثم لما وجد فضل الله يتساقط عليه بالذهب .. خرج من مغتسله وأخذ جلبابه وأخذ يجمع فيه هذا الذهب .. لأن المشهد فيه دلالة عن فرحة غير متوقعة حدثت فجأة لأيوب عليه السلام .. وكأن أبواب الخيرات كله انفتحت عليه بالصحة والمال ثم عودة أهله وقومه.

 

- والملاحظ أن الإتيان لأيوب لم يكن من سعي سعاه .. وإنما من محض فضل الله مكافأة له على صبره ورضاه بمعاناته ..

 

#- والملحوظة الأخيرة: حينما تسمع أحد يقول لك اسعى واجتهد لأن السماء لا تمطر ذهبا .. فهو يقصد قصة أيوب وإن كان لا يعلم بذلك .. والمقصد هو أن السماء لا تمطر ذهبا لمن لا يستحقه .. أي أن أبواب السماء لا تفتح فضلها مهما كان وصفه إلا لمن سعى واجتهد .. لأن هذا الفضل لأيوب إنما كان نتيجة مجاهدة لابتلاء كبير لفترة زمنية طويلة في نفسه بالمرض .. إضافة لما قيل في فقده ماله وأهل بيته .. إضافة لما صاحب ذلك من وساوس أو حتى مجرد خواطر نفسية من المؤكد أن تكون حدثت له .. وسبب له ذلك ألم نفسي كبير.

 

- إذن: قد تمطر السماء ذهبا لك إن كنت كأيوب مجاهدا لكل ابتلاء يواجهك في ظاهرك وباطنك بما لا تتخيله أو تتصوره .. وإن لم تكن كأيوب فلا تنتظر أن تمطر السماء عليك ذهبا .. ولكن اجتهد مع الله بإيمانك قدر استطاعتك .. وبقدر المجاهدة تأتي المساعدة .. وبقدر الجهاد يأتي الإمداد .. والله ولي من صدق من العباد .. والكافرين والجاحدين لا مولى لهم إلا شيطان أنفسهم. 

 

#- ثانيا: أحاديث ضعيفة جدا ومكذوبة على النبي ...

1- جاء في (حديث ضعيف جدا) .. عن أبو بكر محمد بن عبد الله بن شاذان قال: حدثنا عبد الله بن جعفر بن علي الموصلي، قال: حدثنا الحسن بن داود قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن أنس قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن قول أيوب: (مسني الضر) .. فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: والذي بعثني بالحق نبيا .. ما شكى فقرا نزل إليه من ربه .. ولكن كان في بلائه سبع سنين، وسبع أشهر، وسبع أيام، وسبع ساعات، فلما كان في بعض ساعات وثب (أي قام نشيطا)) رواه أبو عبد الرحمن السلمي في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث ضعيف جدا .. فيه (عبد الله بن جعفر بن علي الموصلي) مجهول الحال ..، وفي السند (الحسن بن داود) مجهول لم أجده في تلامذة (يزيد بن هارون) ..، والحديث منقطع بين (يزيد بن هارون) وبين (أنس بن مالك). 

 

#- بالرغم من ضعف هذه الرواية السابقة .. إلا أنها من أحسن ما قيل في حق في نصوص روايات الأحاديث .. ولا تعارض شيئا من نصوص الدين .. ولكن يظل الحكم عليها بأنها ضعيفة جدا لضعف السند فيها الذي قال بهذه الرواية. 

 

2- (حديث ضعيف جدا) .. عن سهل بن عثمان أبو مالك عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: (سألت نبي الله (صلى الله عليه وسلم) عن قوله (ووهبنا له أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) .. قال يا ابن عباس: رد الله امرأته إليه وزاد في شأنها حتى ولدت له ستة وعشرين ذكرا.

- وأهبط الله إليه ملكا فقال يا أيوب: إن الله يقرئك السلام لصبرك على البلاء فاخرج إلى أندرك (أي جراب أو مخزن صغير يضع فيه القمح) فبعث الله سحابة حمراء فهبط عليه بجراد الذهب (أي بذهب يشبه الجراد في شكله أو في كميته) .. والمَلَك قائم معه .. فكانت الجرادة تذهب فيتبعها .. حتى يردها في أندره .. قال الملك: يا أيوب أما تشبع من الداخل حتى تتبع الخارج.

- فقال إن هذه بركة من بركات ربي وليس أشبع منها) رواه بن عساكر في تاريخ دمشق .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث ضعيف جدا .. فيه (جويبر – جابر بن سعيد) وهو متروك الحديث .. ، والحديث فيه انقطاع لأن الضحاك بن مزاحم لم يقابل عبد الله بن عباس ..!!

 

3- (حديث موضوع أي مكذوب على النبي) .. عن أبو القاسم محمود بن أحمد بن الحسن بتبريز، أنا أبو الفتح أحمد بن عبد الله بن أحمد بن علي السوذرجاني، أنا أبو نعيم الأصبهاني، حدثنا أحمد بن جعفر، حدثنا محمد بن يونس، حدثنا ابن كثير الناجي، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر قال - قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (قال الله تعالى لأيوب عليه السلام: تدري ما جرمك إلي حتى أبتليك ؟ .. فقال: لا يا رب .. قال: لأنك دخلت على فرعون فداهنت عنده في كلمتين) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث مكذوب .. فيه (أبو القاسم محمود بن أحمد بن الحسن) مجهول الحال ..، (أبو الفتح أحمد بن عبد الله بن أحمد بن علي السوذرجاني) مجهول الحال ..، وفيه (محمد بن يونس الكديمي) وهو متهم بالكذب ووضع الحديث..، وفيه (يحيى بن كثير الناجي) مجهول الحال ..، وفيه (عبد الله بن لهيعة) ضعيف الحديث ..، هذا بخلاف أن المتن منكر جدا كما لا يخفى على مؤمن .. إذ أن المؤمن لا يصدق أن نبي من أنبياء الله ويداهن كافر بالله من أجل علاقة عمل بينهما ..!!

 

#- ثالثا: حديث باطل وفيه من التخريف ما فيه .. وصححه البعض..!!

- من عجائب ما تجده في كتب البعض .. أن يصحح ما هو مستحيل تصحيحه .. وذلك لنكارة متنه أي النص المكتوب فيه .. حتى لو صح السند وهو (فلان عن فلان) .. إلا أن المتن يستحيل صحته .. إلا لو قبلنا فرضية نفور المجتمع من الأنبياء لمرض فيهم .. وهذا حينئذ مخالف لما قاله علماء العقيدة عند طوائف المسلمين باختلاف مذاهبهم في عصمة الأنبياء .. حيث ينكرون وجود مرض منفر يصيب الأنبياء ..!!

 

#- وإليك بيان ذلك:

 

@- جاء في (حديث باطل - مضطرب سندا ومتنا – بل ومتنه فين نكارة) .. عَنْ عَقِيلٍ عن بن شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّوبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَبِثَ فِي بَلاءِهِ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً .. فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ .. إِلا رَجُلَيْنِ مِنْ إِخْوَانِهِ (أي أقربائه أو طلابه) .. كَانَا مِنْ أَخَصِّ إِخْوَانِهِ .. كَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ ..

- فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: تَعْلَمُ .. وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْنَبَ ذَنْبًا مَا أَذْنَبَهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ ..

- فَقَالَ صَاحِبُهُ: وَمَا ذَاكَ؟

- قَالَ: قَدْ أَصَابَهُ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ اللَّهُ .. فَيَكْشِفْ مَا بِهِ.

- فَلَمَّا رَأَى حَالَهُ.. لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ .. (أي لما رأى ما بأيوب من ألم فأخبره باحتمال أن يكون صنع ذنبا)

- فَقَالَ أَيُّوبُ: لا أَدْرِي مَا يَقُولُ (أي صاحبك لك) .. غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مِنِّي أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ .. فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .. فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا .. كَرَاهِيَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللَّهُ إِلا فِي حَقٍّ ..

- وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْحَاجَةِ (أي لقضاء حاجته في افراغ بطنه) .. فَإِذَا قَضَاهَا أَمْسَكَتِ امْرَأَتُهُ بِيَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ (أي حتى يصل للخلاء ثم تعود إليه لتأخذه) .. فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَبْطَأَتْ عَلَيْهِ .. وَأُوحِيَ إِلَى أَيُّوب فِي مَكَانِهِ: أَنِ {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} .

- قَالَ: فَاسْتَبْطَأَتْهُ (أي تأخر) فَتَلَقَّتْهُ تَنْظُرُ .. وَأَقْبَلَ عَلَيْهَا قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ مَا بِهِ مِنَ الْبَلاءِ .. وَهُوَ أَحْسَنُ مَا كَانَ.

- فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: أَيْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْمُبْتَلَى؟ وَاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ بِهِ مِنْكَ إِذْ كَانَ صَحِيحًا ..

- قَالَ: فَإِنِّي أنا هُوَ.

- قَالَ: وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ (أي مثل شوالين لتخزين القمح والشعير) .. أَنْدَرٌ لِلْقَمْحِ، وَأَنْدَرٌ لِلشَّعِيرِ .. فَبَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَحَابَتَيْنِ .. فَلَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَرِ (أي شوال أو عبوة كبيرة من ) الْقَمْحِ أَفْرَغَتْ فِيهِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَ (أي امتلأ على آخره) ..، وَأَفْرَغَتِ الأُخْرَى فِي أَنْدَرِ الشَّعِيرِ الْوَرِقَ (أي الفضة) حَتَّى فَاضَ) رواه البزار وبن حبان وأبو يعلى وابن أبي الدنيا والطبراني في الطوال وأبو حاتم والحاكم .. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين .. ووافقه الذهبي فقال: على شرط البخاري ومسلم ..، وقال البوصيري في الإتحاف أن إسناده صحيح ..، وذكره الألباني في الصحيحة..، وقال ابن كثير: وهذا غريب رفعه جدا .. والأشبه أنْ يكون موقوفا " البداية 1/ 323" ..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- هذا الحديث لا يمكن أن يكون صحيحا سندا لو مرفوعا للنبي حسب ضوابط أهل الحديث ..، فضلا عن اضطرب متنه ونكارته ..، والحق فيه مع الإمام بن كثير في تضعيفه وإثبات الغرابة في متنه .. وإليك دليل بطلان هذه الرواية كرواية مرفوعة للنبي وإنما الأشبه أنها موقوفة على قول أنس بن مالك أو مرسلة عن بن شهاب الزهري .. وبيان ذلك:

 

@- أولا: من حيث اضطراب السند والمتن:

1- هذه الرواية مضطربة السند والمتن ..

أ- أما عن اضطراب المتن:

- جاء في (حديث صحيح) .. عن سعيد بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، ثنا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَيُّوبَ نَبِيَّ اللَّهِ لَبِثَ بِهِ بَلَاؤُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ ...) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

 

#- فلاحظ الفرق بين الروايتين .. واحدة تقول ثمانية عشرة .. والأخرى تقول خمسة عشر .. وكلاهما من طريق الراوي (عقيل بن خالد) .. وفي كلاهما يقول أن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم ..!!

 

ب- أما عن اضطراب السند:

- فمرة أتت الرواية .. من طريق عقيل بن خالد منقطعة بسقوط أنس بن مالك من الرواية .. ومرة أتت موصولة السند ومثبت أنس بن مالك. 

- والإنقطاع أتى من حديث ذكره الطحاوي بسند جاء فيه: (عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .... وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ). رواه الطحاوي في مشكل الأثار.. والحديث منقطع بين ابن شهاب الزهري وبين النبي صلى الله عليه وسلم.

 

#- قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله (المتوفى: 321هـ):

- فَإِن قيل: روى عقيل بن خَالِد عَن ابْن شهَاب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن نَبِي الله أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِي حَال بلائه إِن الله ليعلم أَنِّي كنت أَمر على الرجلَيْن يتنازعان فيذكران الله فأرجع إِلَى بَيْتِي فَأكفر عَنْهُمَا كَرَاهِيَة أَن يذكرَا الله الا فِي حق فقد كفر أَيُّوب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن غَيره بِغَيْر أمره)

- قيل لَهُ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ نَافِع بن يزِيد عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يذكر أنسا. (مختصر اختلاف العلماء ج3 ص249 – عند الحديث رقم 1355).

 

#- ولذلك الإمام بن كثير رحمه الله  بعد أن ذكر الحديث الذي جاء فيه: (إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّوبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَبِثَ فِي بَلاءِهِ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً .. فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ ...) .. قال:

- وهذا غريب رفعه جدا .. والأشبه أن يكون موقوفا. (البداية والنهاية ج1 ص257 ط- إحياء التراث).

 

#- وقال الشيخ محمد أبو شهبة رحمه الله (المتوفى: 1403هـ) في الحديث الذي جاء فيه (إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّوبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَبِثَ فِي بَلاءِهِ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً .. فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ ....) :

- وقال ابن كثير: رفع هذا الحديث غريب جدا .. وقال الحافظ ابن حجر: وأصح ما ورد في قصته: ما أخرجه ابن أبي حاتم، وابن جرير، وصححه ابن حبان، والحاكم، بسند عن أنس: أن أيوب ... ثم ذكر مثل ذلك.

 

#- أقول: والمحققون من العلماء على أن نسبة هذا إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم إما من عمل بعض الوضاعين الذين يركبون الأسانيد للمتون .. أو من غلط بعض الرواة، وأن ذلك من إسرائيليات بني إسرائيل وافتراءاتهم على الأنبياء .. والأصَّحيَّة هنا نسبية .. على أن صحة السند لا تنافي أن أصله من الإسرائيليات .. كما قلت مرارًا .. والإمام الحافظ ابن حجر على جلالته ربما يوافق على تصحيح ما يخالف الأدلة العقلية والنقلية .. كما فعل في قصة الغرانيق .. وهاروت وماروت وكل ما روي موقوفا أو مرفوعا لا يخرج عما ذكره وهب بن منبه .. في قصة أيوب .. التي أشرنا إليها آنفا .. وما رواه ابن إسحاق أيضا .. فهو مما أخذه عن وهب وغيره.

 

#- وهذا يدل أعظم الدلالة .. على أن معظم ما روي في قصة أيوب مما أخذ عن أهل الكتاب الذين أسلموا .. وجاء القصاصون المولعون بالغرائب .. فزادوا في قصة أيوب .. وأذاعوها .. حتى اتخذ منها الشحاذون والمتسولون .. وسيلة لاسترقاق قلوب الناس .. واستدرار العطف عليهم. (الاسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص279).

 

#- وقال الشيخ محمد أبو شهبة في ختام كلامه:

- الحق: أن نسج القصة مهلهل .. لا يثبت أمام النقد .. ولا يؤيده عقل سليم .. ولا نقل صحيح .. (الاسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص281).

 

#- ثانيا: أما من حيث نكارة المتن ..

أ- الرواية تثبت نفور المجتمع من مرض أيوب عليه السلام .. وهذا مخالف لما عليه إجماع علماء المسلمين بالإجماع .. وهذا سبب كافي لإسقاط تلك الرواية وبطلانها ..!!

- فكيف تصح رواية تثبت نفور المجتمع من النبي بسبب مرضه .. ؟!!

 

#- قال الإمام المراغي رحمه الله (المتوفى: 1371هـ):

- نعلم على وجه لا يقبل الشك .. أنه لم يصب بأذى ينفر الناس منه .. ويمنعهم من لقائه والجلوس معه .. لأن ذلك شرط من شروط النبوة. (تفسير المراغي ج23 ص124).

 

ب- لم يأت في الروايات الصحيحة .. أن الله أرسل لأيوب عطاء من فضة وهو (الوَرِق) .. وإنما قالت الرواية الصحيحة أن الله أرسل إليه جراد من ذهب .. !!

- إذ جاء (حديث صحيح) .. جاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أُرْسِلَ عَلَى أَيُّوبَ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ .. فَجَعَلَ يَلْتَقِطُهُ .. فَقَالَ: أَلَمْ أُغْنِكَ يَا أَيُّوبُ؟ فَقَالَ: يَا رَبِّ، وَمَنْ يَشْبَعُ مِنْ رَحْمَتِكَ "، أَوْ قَالَ: " مِنْ فَضْلِكَ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم.

#- وخلاصة القول:

- لم يأت حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم نثق فيه عن قصة أيوب عليه السلام .. إلا ما رواه البخاري وأحمد وغيرهما وهو أن الله أكرم أيوب فأمطره بذهب حينما كان يغتسل ويبرأ من مرضه.

- هذا والله أعلم. 

@- ويتبقى معنا في قصة أيوب مسائل .. قد تخطر على البال حينما تقرأ قصة أيوب عليه السلام.. والله ولي التوفيق.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .