ج15: قصة النبي أيوب عليه السلام - ما علاقة اسم الله الأعظم بدعاء أيوب لربه بقوله (أنت أرحم الراحمين) - لماذا وصف الله نفسه بأنه أرحم الراحمين - كيف يكون الله هو أرحم الراحمين وخلق المرض وسمح بسفك الدماء وحدوث الزلازل وغير ذلك.

   بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة قصص من كتب التفاسير

قصة النبي أيوب عليه السلام

بين الحقيقة القرآنية وخرافات في بعض الكتب التفسيرية

- مع كشف العيوب في روايات قيلت عن النبي أيوب -

- ومقارنة بين أيوب القرآن وأيوب التوراة -

- مع توضيح حقيقة (مسني الشيطان بنصب وعذاب)-

(الفصل الخامس عشر)

 #- فهرس:

:: الفصل الخامس عشر :: عن قصة أيوب عليه السلام .. ج2/ عن مسائل وإشارات في آيات قصة أيوب عليه السلام في القرآن – عن اسم الله أرحم الراحمين ::

1- س27: ما علاقة اسم الله الأعظم بدعاء أيوب لربه بقوله: (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ؟

2- س28: لماذا وصف الله نفسه بأنه أرحم الراحمين ؟

3- س29: كيف يكون الله هو أرحم الراحمين وخلق المرض وسمح بسفك الدماء وحدوث الزلازل وغير ذلك ؟

*******************

:: الفصل الخامس عشر ::

=================

..:: س27: ما علاقة اسم الله الأعظم بدعاء أيوب لربه بقوله: (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ؟ ::..

 

- قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأنبياء:83.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- نادى النبي صلى الله عليه وسلم ربه باسم (أرحم الراحمين) في دعاء الطائف حينما آذوه في نفسه وعاملوه بجفاء شديد وألقوا عليه الطوب .. فابتعد عنهم وقال دعاءه المشهور: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفَ قُوَّتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ .. أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَنْتَ أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .... إلى آخر الدعاء) وقد سبق تحقيق الرواية في الفصل الثاني عشر عند السؤال التاسع عشر من هذه الرسالة.

 

2- وقال أيوب عليه السلام: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأنبياء:83.

 

3- في شفاعة الله للمؤمنين العصاة .. يتجلى عليهم باسمه أرحم الراحمين .. إذ جاء في (حديث حسن) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .. أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا .. قَالَ (أي النبي): فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده حسن.

 

4- وبناء على ما سبق - فالذي أظنه وأفهمه عن رأيي الخاص:

- من خلال مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم .. ومناداة النبي أيوب عليه السلام لربه بهذا الاسم (أرحم الراحمين) .. وتجلي الله على خلقه بالرحمة في الآخرة .. كأنه اسم الله الأعظم في النجاة من الإبتلاءات الشديدة والمستحيلة والذي من وراءه يحدث تدبير فوق ما يتوقعه الداعي .. إذ أنه اسم يتم المناجاة به لله وقت الإبتلاءات ونزول الأزمات .. لمن فقد مالا أو أولادا أو صحته وعافيته أو نزل به أذى وضرر من الخلق.

 

#- إذن: توجه إلى الله وادعو بدعاء أيوب واجعل رجاءك في الله .. واتركه يدبر لك ..

- وقل: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأنبياء:83.

- أو قل: (أَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأعراف:151.

 

- أو قل يا أرحم الراحمين أرجو رحمتك في قضاء حاجتي ..

- أو قل يا أرحم الراحمين يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث.

 

- أو قل ما يأتي بخاطرك من حب الدعاء فيما تطلب وتريد .. متوسلا باسمه مناديا (يا أرحم الراحمين) دون ملل أو زهق .. وكن لحوحا على رب العالمين .. في كل أوقاتك حتى وأنت تسير في الشارع فناجيه وقل (يا أرحم الراحمين) واطلب في قلبك ما تريد منه .. فالله يسمع ما في قلبك ونواياك مثلما يسمع من ينطق به لسانك .. فإنه سميع عليم.

 

5- واعلم أخي الحبيب .. أن اسم الله الأعظم هو كل اسم انفعل به قلبك وقت مناجاتك لربك حتى تشعر وأنت تدعو الله به .. وكأنك أصبحت واقفا بين يدي الله ولا تشعر بغير ذلك .. فهذا هو الإسم الأعظم بالنسبة إليك في تلك اللحظة وهو الذي يستجاب لك به إن شاء الله.

- والله أعلم.

 

6- ومن فوائد العارفين بالله .. ما ذكره الإمام عبد القادر الجيلاني رحمه الله (المتوفى: 561 هـ) إذ ذكر فائدة عن المحموم .. فقال:

-  ويكتب للمحموم .. ويعلق عليه ما روي عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: حممت فكتب لي من الحمى:

- "بسم الله الرحمن الرحيم - وبالله ومحمد رسول الله – (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) .. اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك يا أرحم الراحمين".(كتاب الغنية ج1 ص94 – طبعة دار الكتب العلمية).

 

- ملحوظة عن معنى قوله (وبالله ومحمد رسول الله): أي وبحق الله وبحق محمد رسول الله .

 

- والله أعلم.

 

*************************

 

..:: س28: لماذا وصف الله نفسه بأنه أرحم الراحمين ؟ ::..

 

#- قال الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى: 1393هـ):

- وكون الله تعالى أرحم الراحمين .. لأن رحمته أكمل الرحمات لأن كل من رحم غيره .. فإما:

- أن يرحمه طلبا للثناء في الدنيا.

- أو للثواب في الآخرة.

- أو دفعا للرقة العارضة للنفس من مشاهدة من تحق الرحمة له.

- فلم يخل من قصد نفع لنفسه ..

- وأما رحمته تعالى عباده .. فهي خَليِّة عن استجلاب فائدة لذاته العلية. (التحرير والتنوير ج17 ص127).

- والله أعلم. 

**********************

 

..:: س29: كيف يكون الله هو أرحم الراحمين وخلق المرض وسمح بسفك الدماء وحدوث الزلازل وغير ذلك ؟ ::..

 

#- من المسائل التي قد تخطر على البال والتي يستغلها الوسواس في نفوس بعض المؤمنين .. والتي يستخدمها الملحدين ضد المؤمنين هو سؤال شيطاني معروف يبول به في أذن بعض الناس .. فيقول لهم: كيف يكون الله أرحم الراحمين أو رحمن أو رحيم في حين نرى الوجود مبتلى بالأمراض القاتلة وسفك الدماء واضطراب أحوال الأرض من زلازل وأعاصير وغير ذلك ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- تعالى كده معايا بعقلك نناقش المسألة دي..

 

1- هل أنت مؤمن بالله أم غير مؤمن بالله ؟

#- إن كنت غير مؤمن بالله فلماذا تتحدث عن الله .. إذ كيف تتحدث عمن لا وجود له في عقلك فتكون كالأحمق الغبي الذي يتكلم عن اللامعقول في مفهومه ..!!

 

#- ولماذا نتحدث مع غير عاقل ؟!! ولو كنت عاقل ما كان يمكن أن تظن ما ظننته لو كنت انتبهت لمعرفة الشئون الإلهية أي التجليات الإلهية في الكون ..

 

#- وإن كنت مؤمن ولكن فيك شك وقلة معرفة .. فعليك حينئذ أن تنتبه لما هو آت في النقاط التالية ..

 

2- من حيث كونه رحمن رحيم وأرحم الراحمين .. طالما أنت آمنت بذلك .. فأكيد أنت آمنت بأنه العدل الحكيم .. أم أنت تؤمن باللي على مزاج أبوك فقط حتى تتنمر به على خلق ربنا ؟!!

 

- فإذا كنت مؤمن أنه العدل وأنه أرحم الراحمين .. فمستحيل أن تتهم الله في رحمته لأنه عدله متوافق مع رحمته .. وطالما هو عادل فهي ليس ظالم .. وطالما ليس ظالم فهو حينئذ غير متهم في عدله أبدا.. وطالما غير متهم في عدله فلا يمكن أن يكون متهم في رحمته لأن رحمته متوافقه مع عدله ..إذ أن من أصول العدل هو الرحمة في الحكم .. وطالما الله عادل فهو رحيم بعباده في ابتلاءه لهم ..

 

3- أما عن أن الإبتلاء يكون فيه ألم ومشقة وتعب .. فهذا طبيعي لاختبار كل إنسان حتى يثبت مكانه في الآخرة .. فالإبتلاء ليس لتحقيق مناصب في الدنيا وإنما في الآخرة .. فكل ابتلاء نتيجة تظهر في الآخرة ..

 

4- أما عن كونك تظن أن صفات الله يتجلى بها عليك فضلا في الدنيا فقط .. أي يمنح لك من فضلها في الدنيا .. فأنت مخطيء ومُضلَّل .. لأن عطاء الله بتجلياته على الإنسان تستمر فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليه .. (دنيا وبرزخ وآخرة) وليس دنيا فقط.

- ولذلك نجد شفاعة الله في الآخرة لمن لم يشرك به نابعة من تجليات الحق باسمه أرحم الراحمين .. إذ جاء في (حديث حسن) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا، قَالَ: فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده حسن.

 

- إذن: كونك تحكم على صفات الله باعتبار ما تراه في الدنيا .. فأنت ظالم معتدي أثيم .. لأنك حينما ظننت أنه ليس أرحم الراحمين أو ليس رحمن أو ليس رحيم .. فانت شهدت على الله شهادة زور وكذبت على نفسك وعلى الناس .. لأن تجليات الحق تحتمل الأزمنة الثلاثة (دنيا – برزخ – آخرة) .. وليس دنيا فقط .. فإذا كنت عادلا في حكمك لكنت أشرت إلى أن تجليات الحق برحمته يظهر أثرها فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليه.

 

5- أما عن كونك تحكم على الخالق بقدراتك أنت كمخلوق فأنت غائب العقل بلا أدنى شك .. إذ أن الحكم على الشيء يستوجب الإحاطة به .. فكيف تحيط بما هو بك محيط ؟!!

- أي كيف تحكم على ما لا قدرة لك على معرفة أفعاله لأنه المحيط بأفعالك وأنت لا تحيط بأفعاله ؟!!

- أفلا تعقلون ؟!!

 

6- إذا كان الله هو أرحم الراحمين .. فأنت إذن تفهم أنه هو النافع والضار والباسط والقابض والمعطي والمانع .. فكونك تعمدت أن تسقط تجليات الحق في الوجود فهذا معناه احد أمرين:

أ- أنك لا تعترف بأن للحق تجليات بما سبق من صفاته .. فأنت كافر به حينئذ ..!!

ب- أنك لا تعترف أن للكون إله من أساسه .. فأنت كافر أيضا ..!!

#- وطالما أنت كافر بالألوهية حينئذ .. فلماذا تتحدث في الشئون الإلهية ؟!!

 

@- ولكن طالما أنت مؤمن .. إذن فعليك أن تفهم أن لله تجليات في الكون أي شئون إلهية يتعرف بها إلينا لنخافه ونرجوه ونتأدب مع قدره ..

 

7- من حكمة الله في الإبتلاء هو ما جاء في (حديث حسن) .. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الرَّجُلَ لِتَكُونَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ الْمَنْزِلَةُ فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ فَلَا يَزَالُ اللَّهُ يَبْتَلِيهِ بِمَا يَكْرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ إِيَّاهَا) رواه بن حبان .. وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.

- وبلفظ آخر (في حديث حسن) .. بلفظ جاء فيه: (لَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ أَوِ الْمُؤْمِنَةِ، فِي جَسَدِهِ، وَفِي مَالِهِ، وَفِي وَلَدِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده حسن.

- إذن: أنت قد ترى ما مؤلم ومؤذي .. ولكن في حقيقته هو رفع درجات وعلو مقامات لهذا المبتلى.

- والله أعلم. 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .