ج4: قصة النبي أيوب عليه السلام - ما السبب الذي جعل أيوب ينادي ربه بأنه أرحم الراحمين - لماذا استخدم أيوب أسلوب المناجاة لربه لعرض شكواه بدلا من الدعاء مباشرة - ما الذي نفهمه من مناجاة أيوب لربه باسم (أرحم الراحمين) - ما الذي أفاد قوله تعالى (فَاسْتَجَبْنَا) (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ).

      بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة قصص من كتب التفاسير

قصة النبي أيوب عليه السلام

بين الحقيقة القرآنية وخرافات في بعض الكتب التفسيرية

- مع كشف العيوب في روايات قيلت عن النبي أيوب -

- ومقارنة بين أيوب القرآن وأيوب التوراة -

- مع توضيح حقيقة (مسني الشيطان بنصب وعذاب)-

(الفصل الرابع)

#- فهرس:

:: الفصل الرابع :: عن قصة أيوب عليه السلام .. عن سبب مناجاة أيوب النبي لربه لرفع الضر عنه – وحكمة اختيار مناجاة الله باسمه أرحم الراحمين ::

1- س5: ما السبب الذي جعل أيوب ينادي ربه بأنه أرحم الراحمين ؟

2- س6: لماذا استخدم أيوب أسلوب المناجاة لربه لعرض شكواه بدلا من الدعاء مباشرة ؟

3- س7: ما الذي نفهمه من مناجاة أيوب لربه باسم (أرحم الراحمين) ؟

#- أرحم الراحمين قد يكون اسم الله الأعظم.

4- س8: ما الذي أفاد قوله تعالى (فَاسْتَجَبْنَا) (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) ؟

*******************

:: الفصل الرابع::

=================

..:: س5: ما السبب الذي جعل أيوب ينادي ربه بأنه أرحم الراحمين ؟ ::..

 

@- هذا ما قاله العلماء مجموعا فيما ذكره الإمام بن الجوزي رحمه الله ..

 

#- قال ابن الجوزي رحمه الله (المتوفى: 597هـ):

- وفي سبب سؤاله العافية ستة أقوال:

- أحدها: أنه اشتهى إداما، فلم تصبه امرأته حتى باعت قرونا من شعرها، فلما علم ذلك قال: «مسني الضر» .... رواه الضحاك عن ابن عباس.

 

- والثاني: أن الله تعالى أنساه الدعاء مع كثرة ذكره الله، فلما انتهى أجل البلاء، يسر الله له الدعاء، فاستجاب له .... رواه العوفي عن ابن عباس.

 

- والثالث: أن نفرا من بني إسرائيل مروا به .. فقال بعضهم لبعض: ما أصابه هذا إلا بذنب عظيم، فعند ذلك قال: «مسني الضر» ... قاله نوف البكالي.

- فقال عبد الله بن عبيد بن عمير: كان له أخوان، فأتياه يوما فوجدا ريحا ، فقالا: لو كان الله علم منه خيرا ما بلغ به كل هذا، فما سمع شيئا أشد عليه من ذلك، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة شبعان وأنا أعلم مكان جائع فصدقني، فصدق وهما يسمعان، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصا وأنا أعلم مكان عار فصدقني، فصدق وهما يسمعان، فخر ساجدا، ثم قال: اللهم لا أرفع رأسي حتى تكشف ما بي، فكشف الله عز وجل ما به.

 

- والرابع: أن إبليس جاء إلى زوجته بسخلة (أي خروف صغير) .. فقال: ليذبح أيوب هذه لي وقد برأ (أي وبهذا يتم شفاءه فورا) .. فجاءت فأخبرته .. فقال: لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة، أمرتني أن أذبح لغير الله؟! ثم طردها عنه .. فذهبت، فلما رأى أنه لا طعام له ولا شراب ولا صديق، خر ساجدا وقال: «مسني الضر»  ... قاله الحسن.

 

- والخامس: أن الله تعالى أوحى إليه وهو في عنفوان شبابه: إني مبتليك .. قال: يا رب، وأين يكون قلبي؟ قال: عندي، فصب عليه من البلاء ما سمعتم، حتى إذا بلغ البلاء منتهاه ..أوحى إليه أني معافيك، قال: يا رب ..وأين يكون قلبي؟ قال: عندك، قال: «مسني الضر» ...... قاله إبراهيم بن شيبان القرميسي فيما حدثنا به عنه.

 

- والسادس: أن الوحي انقطع عنه أربعين يوما، فخاف هجران ربه، فقال:

«مسني الضر» ، ذكره الماوردي. (زاد المسير ج3 ص206 – وما بين الأقواس من شرحي لبعض ألفاظ ابن الجوزي).

 

- وقد أوصل الإمام القرطبي أسباب دعاء أيوب .. إلى سبعة عشر سببا في تفسيره جمعهم من آراء مختلفة .. وكلها لا دليل عليها .. مجرد ظنون .. أو أسباب مأخوذة من الإسرائيليات الفاسدة والباطلة ..  (راجع تفسير القرطبي ج11 ص325-326).

 

@- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- الذي حرك أيوب عليه السلام ليدعو ربه .. هو كما أخبرنا القرآن:

- هو أن الضر بلغ مبلغا كبيرا من النصب والعذاب حتى استغله الشيطان في فعل الفتنة في نفسه وفي من حوله.

- أي لما نزل به الضر .. وهو ألم الجسد .. الذي زاده نصبا أي رهقا ومشقة وتعب .. وعذاب أي وازداد الألم عليه .. حتى وجد الشيطان مدخلا من ذلك فيمن حوله حتى هجروه .. ليس لمرضه .. وإنما لظنهم أنه كيف يكون نبيا ويتركه الله في ابتلاءه هذا كل هذه الفترة ..

- وفي ذلك قال تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) ص:41.

 

**************************

 

..:: س6: لماذا استخدم أيوب أسلوب المناجاة لربه لعرض شكواه بدلا من الدعاء مباشرة ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- في مناجاة سيدنا أيوب عليه السلام لربه .. يظهر منها أنه لم يطلب شيئا بصورة مباشرة من ربه .. وكأنها مناجاة يأنس فيها مع ربه .. ولو قلنا بالمعنى البسيط (بيفضفض مع ربه بشكوى ألمه) .. ولكنه لم يقل له: يارب ارفع عني المرض واشفيني .. ليه ؟

- خوفا من أن يكون هذا ليس من مراد الله فيهم .. فيكون قد أساء الأدب في الدعاء .. فالأنبياء لا يدعون إلا بإذن لهم من الله .. وهذا الإذن يظهر في قلوبهم بعزيمة وهمة دعاء ..

 

- ولذلك سيدنا أيوب عليه السلام .. نادى ربه في صورة مناجاة وليس في صورة دعاء .. وإن كانت هذه المناجاة مغلفة بطلب الرجاء من الله في أن يكون من فضله رفع هذا الضر عنه ..

 

- ولذلك لما قال الله تعالى: (فاستجبنا له) .. والإستجابة لا تكون إلا عن دعاء .. فقد علمنا حينئذ أن ما كان بنفسية أيوب عليه السلام هو دعاء تم تغليفه في صورة مناجاة جميلة من باب التلطف في الطلب من الله أدبا مع مولاه .. إذ ربما لا يكون من قدره رفع البلاء الآن فيكون قد أساء الأدب في الطلب مع مولاه .. وطالما الله عليم بما في الصدور .. فهو سيعطيه مقصده .. وإن لم يكن مراد الله الآن بالشفاء فيكفيه مؤانسة مولاه بالرجاء منه .. ولكن لما كان الرجاء موافقا لمراد الله له بالشفاء .. فألهم أيوب الإسم الذي يحقق له هذا الرجاء وهو أرحم الراحمين .. فكانت الإجابة من فضل الله عليه.

- والله أعلم.

 

#- ورحم الله الإمام سيد طنطاوي (المتوفى: 1431 هـ) إذ قال:

- والمعنى: واذكر- أيها الرسول الكريم أو أيها المخاطب- عبدنا أيوب- عليه السلام- وقت أن نادى ربه، وتضرع إليه بقوله: يا رب أنى أصابني ما أصابني من الضر والتعب، وأنت أجل وأعظم رحمة من كل من يتصف بها.

- فأنت ترى أن أيوب عليه السلام .. لم يزد في تضرعه عن وصف حاله (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) - ووصف خالقه تعالى بأعظم صفات الرحمة .. دون أن يقترح شيئا أو يطلب شيئا .. وهذا من الأدب السامي الذي سلكه الأنبياء مع خالقهم عز وجل. (التفسير الوسيط ج9 ص241).

- وبعد أن دعا أيوب ربه تعالى بهذه الثقة .. وبهذا الأدب والإخلاص، كانت الإجابة المتمثلة في قوله- تعالى-: (فَاسْتَجَبْنا لَهُ): أي دعاءه وتضرعه (فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ): أي فأزلنا ما نزل به من بلاء في جسده .. وجعلناه سليما معافى .. بأن أمرناه أن يضرب برجله الأرض ففعل .. فنبعت له عين فاغتسل منها .. فزال عن بدنه كل مرض أصابه بإذن الله تعالى.(التفسير الوسيط ج9 ص241).

 

***********************

 

..:: س7: ما الذي نفهمه من مناجاة أيوب لربه باسم (أرحم الراحمين) ؟ ::..

 

#- قال الإمام الطاهر بن عاشور رحمه (المتوفى: 1393هـ):

- وكون الله تعالى أرحم الراحمين .. لأن رحمته أكمل الرحمات ..

- لأن كل من رحم غيره .. فإما أن يرحمه طلبا للثناء في الدنيا .. أو للثواب في الآخرة .. أو دفعا للرقة العارضة للنفس من مشاهدة من تحق الرحمة له ..

- فلم يخل من قصد نفع لنفسه ..

- وأما رحمته تعالى عباده فهي خالية عن استجلاب فائدة لذاته العلية. (التحرير والتنوير ج17 ص127).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

أ- الذي أفهمه من مناجاة أيوب لربه بوصفه أنه أرحم الراحمين .. ثم حدوث الإجابة له .. هو أن هذا كان هو الإسم الأعظم لأيوب في تلك اللحظة .. إذ لما تعلق قلبه مع ذلك الإسم في تلك اللحظة ووافق مراد الله .. فكان هو الإسم الأعظم في تلك اللحظة.

 

ب- وأن كل من ناجى ربه بهذا الإسم .. ووافق مناجاته مطلبه .. فهو في تلك اللحظة قد أجاب الله دعاءه ..

 

ج- أن الأدب مع الله في الطلب .. مع الرضا بما هو فاعله بك .. مع دوام عبوديتك له وإن لم يجب له طلبك اطمئنانا بحكمته وعدله .. فهذا يسبب إلهاما لك من الله باسمه الأعظم الذي إن ناجيته به أجاب لك طلبك.

- والله أعلم.

 

*************************

 

..:: س8: ما الذي أفاد قوله تعالى (فَاسْتَجَبْنَا) (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- حرف الفاء يفيد الترتيب والتعقيب .. أي فور أن انتهى أيوب من قوله (وأنت أرحم الراحمين) .. فترتب على ذلك سرعة استجابة الله لرجاءه .. وأتاه الفرج من خلال الأسباب التي يتبعها لإزالة الضر عن جسمه .. إذ قال له تعالى: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) ص:41.

 

- وكأن الله لما أجاب له رجاءه (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ) الأنبياء:84. .. فأرشده إلى ما يفعله وهو (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) ص:41 ..، حتى إذا استخدم هذا الماء .. (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) الأنبياء:84..، والله أعلم.

 

#- قال الإمام الطاهر بن عاشور رحمه (المتوفى: 1393هـ):

- والكشف: مستعمل في الإزالة السريعة .. شبهت إزالة الأمراض والأضرار المتمكنة التي يعتاد أنها لا تزول إلا بطول .. بإزالة الغطاء عن الشيء في السرعة. (التحرير والتنوير ج17 ص127).

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .