ج3: قصة النبي أيوب عليه السلام - ما هو نوع الإبتلاء الذي حدث مع النبي أيوب عليه السلام مع توضيح معنى قوله (مسني الضُّر) - هل يمكن التصور أن يكون مرض أيوب هو من الأمراض المنفرة حتى هجره الناس.

     بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة قصص من كتب التفاسير

قصة النبي أيوب عليه السلام

بين الحقيقة القرآنية وخرافات في بعض الكتب التفسيرية

- مع كشف العيوب في روايات قيلت عن النبي أيوب -

- ومقارنة بين أيوب القرآن وأيوب التوراة -

- مع توضيح حقيقة (مسني الشيطان بنصب وعذاب)-

(الفصل الثالث)

#- فهرس:

:: الفصل الثالث :: عن قصة أيوب عليه السلام .. عن نوع الإبتلاء الذي حدث للنبي أيوب ::

1- س3: ما هو نوع الإبتلاء الذي حدث مع النبي أيوب عليه السلام مع توضيح معنى قوله (مسني الضُّر) ؟

2- س4: هل يمكن التصور أن يكون مرض أيوب هو من الأمراض المنفرة حتى هجره الناس ؟

********************

:: الفصل الثاني::

=================

..:: س3: ما هو نوع الإبتلاء الذي حدث مع النبي أيوب عليه السلام مع توضيح معنى قوله (مسني الضُّر) ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- من المسائل التي تكلم عنها العلماء .. هو نوع الإبتلاء التي حدث لأيوب عليه السلام .. وذكروا فيها من الخرافات ما ذكروه .. حتى قالوا أن الدود أكل جسم أيوب وكان ذلك بسبب نفخة من الشيطان نفخها فيه ..، وعموما سأذكر هذه الخرافات في فصل قادم إن شاء الله ..!!

 

- والحقيقة أن أقصى معرفتنا بهذا الإبتلاء هو ما وصفه القرآن .. إذ تم وصفه بأنه (ضُر) بضم الضاد .. ولم يظهر لنا ماهية هذا الضُّر تحديدا .. ولكن لفظ (الضُّر) يشير إلى حدوث ضرر بالجسم .. سواء بالمرض أو الإصابة .. إلا أن لفظ (الضُّر) لا يشمل ضرر عموم الحياة لأيوب عليه السلام.

 

- بخلاف لفظ (الضَّر) بفتح الضاد .. فهذا يعني عمومية الضرر للإنسان سواء جسدي أو مالي أو اجتماعي أو وظيفي أو أسري .. أو أي ضرر يحدث للإنسان في نفسه أو ماله أو مجتمعه أو ممتلكاته.

 

#- ملحوظة: والبعض قال ظنا منه أن لفظ (الضُّر) بالضم .. محتمل يحمل مبالغة في الأذى بصورة عامة .. وهو بهذا يساوي بين لفظ (الضَّر) بالفتح .. وبين لفظ (الضُّر) بالضم .. وهذا توجيه غير دقيق .. ولذلك غالب أهل اللغة على أن لفظ (الضُّر) بضم الضاد .. مختص بما هو مؤذي لنفس الإنسان في ذاته ويترتب عليه سوء حال البناء الجسدي أو النفسي  .. من مرض وإصابات وضعف وألم عضوي ونفسي .. ولعل ما يؤيد ذلك لهم هو أن رفع البلاء عن أيوب كان من خلال شفاءه جسديا .. فأبصر.

 

1- قال الإمام الشعراوي رحمه الله (المتوفى: 1419هـ):

-(نادي) : قلنا النداء لمثلك طلب إقبال .. أما بالنسبة لله تعالى فهو بمعنى الدعاء، فمعنى (إذ نادى ربه ...) الأنبياء:83 .. أي: دعاه وناداه بمطلوب هو: (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ...) الأنبياء:83 ..

- والضُّر: ابتلاء من الله في جسده بمرض أو غيره.

- أما الضَّر بفتح الضاد .. فهو إيذاء وابتلاء في أي شيء آخر غير الجسد .. ولا مانع أن يمرض الأنبياء لكن بمرض غير منفر.

- لكن كيف ينادي أيوب عليه السلام ربه ويتوجع (أني مسني الضر ...) الأنبياء:83 ..، أليس في علم الله أن أيوب مسه الضر ؟ وهل يليق بالنبي أن يتوجع من ابتلاء الله؟

- نعم .. يجوز له التوجع .. لأن العبد لا يشجع على ربه ..

- لذلك فإن الإمام عليا رضي الله عنه: (لما دخل عليه رجل يعوده وهو يتألم من مرضه ويتوجع، فقال له: أتتوجع وأنت أبو الحسن؟ فقال: أنا لا أشجع على الله)

- يعني: أنا لست فتوة أمام الله. (تفسير الشعراوي ج15 ص9616).

 

2- قال الإمام سيد طنطاوي رحمه الله (المتوفى: 1431 هـ):

- و(الضَّر) بالفتح: يطلق على كل ضَرر..، وبالضم: خاص بما يصيب الإنسان في نفسه من مرض وأذى وما يشبههما.

- والمعنى: واذكر- أيها الرسول الكريم أو أيها المخاطب- عبدنا أيوب- عليه السلام- وقت أن نادى ربه، وتضرع إليه بقوله: يا رب أنى أصابني ما أصابني من الضر والتعب، وأنت أجل وأعظم رحمة من كل من يتصف بها.

- فأنت ترى أن أيوب عليه السلام .. لم يزد في تضرعه عن وصف حاله أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ - ووصف خالقه تعالى بأعظم صفات الرحمة دون أن يقترح شيئا أو يطلب شيئا، وهذا من الأدب السامي الذي سلكه الأنبياء مع خالقهم عز وجل. (التفسير الوسيط ج9 ص241).

- وبعد أن دعا أيوب ربه تعالى بهذه الثقة .. وبهذا الأدب والإخلاص، كانت الإجابة المتمثلة في قوله- تعالى-: (فَاسْتَجَبْنا لَهُ): أي دعاءه وتضرعه (فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ): أي فأزلنا ما نزل به من بلاء في جسده .. وجعلناه سليما معافى .. بأن أمرناه أن يضرب برجله الأرض ففعل .. فنبعت له عين فاغتسل منها .. فزال عن بدنه كل مرض أصابه بإذن الله تعالى.(التفسير الوسيط ج9 ص241).

 

3- قال الإمام محمد بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394هـ) في تفسيره لرجاء أيوب عليه السلام:

- قال لربه: (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) .. هذه الجملة الهادية، أي أصاب نفسي وحسِّي .. قال ذلك طالبا رفع الضرر ..

- فقال: (وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) .. لم يطلب من الله بصريح اللفظ، ولكنه ذكر حاله وكفى، وهو بها عليم، وإن ذكر الرحمة ينبئ عن الطلب، وهو أن يرحمه سبحانه .. ولكن لم تتعين الرحمة كاشفة عن الضر .. فقد يكون الضر من الرحمة .. ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابه زيد في بلائه) رواه أحمد في مسنده.

 

- وصف الله تعالى بأنه (أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) .. وأفعل التفضيل ليس على بابه لأنه لَا رحم يقارب رحمته .. وإنما يفسر على أنه سبحانه وتعالى بلغ في رحمته أعلى درجاتها. (زهرة التفاسير ج9 ص4905-4907).

 

4- قال الشيخ محمد أبو شهبة رحمه الله (المتوفى: 1403هـ)

- والذي يجب أن نعتقده: أنه ابتلي .. ولكن بلاءه لم يصل إلى حد هذه الأكاذيب .. من أنه أصيب بالجذام .. وأن جسمه أصبح قرحة .. وأنه أُلقِيَ على كناسة بني إسرائيل .. يرعى في جسده الدود .. وتعبث بن دواب بني إسرائيل .. أو أنه أصيب بمرض الجدري .. وأيوب عليه صلوات الله وسلامه أكرم على الله من أن يلقى على مزبلة .. وأن يصاب بمرض ينفر الناس من دعوته .. ويقززهم منه .. وأي فائدة تحصل من الرسالة وهو على هذه الحال المزرية التي لا يرضاها الله لأنبيائه ورسله ؟

- والأنبياء إنما يبعثون من أوساط قومهم .. فأين كانت عشيرته فتواريه، وتطعمه ؟! بدلا من أن تخدم امرأته الناس .. بل وتبيع ضفيرتيها في سبيل إطعامه ..!!

- بل أين كان أتباعه والمؤمنون منه .. هل تخلَّوا عنه في بلائه ؟! وكيف والإيمان ينافي ذلك؟!

 

#- الحق: أن نسج القصة مهلهل .. لا يثبت أمام النقد .. ولا يؤيده عقل سليم .. ولا نقل صحيح .. وأن ما أصيب به أيوب من المرض .. إنما كان من النوع غير المنفر .. والمقزز .. وأنه من الأمراض التي لا يظهر أثرها على البشرة .. كالروماتيزم، وأمراض المفاصل، والعظام ونحوها .. ويؤيد ذلك: أن الله لما أمره أن يضرب الأرض بقدمه .. فنبعت عين .. فاغتسل منها .. وشرب .. فبرأ بإذن الله.

- وقيل: إنه ضرب الأرض برجله فنبعت عين حارة .. فاغتسل منها .. وضربها مرة أخرى .. فنبعت عين باردة، فشرب منها .. والله أعلم بالصواب .. وظاهر القرآن عدم التعدد في الضرب ولا في نبع الماء. (الاسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص281).

 

@- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- الدليل على تخصيص الضرر بأنه كان مرض بالجسد .. هو ما جاء في قصة أيوب عليه السلام كما أخبرنا القرآن .. إذ أن طريقة العلاج كانت تتعلق بجسده عليه السلام إذ قال تعالى: قال تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ص41-44.

 

- إذن: طريقة العلاج تتعلق بجسد أيوب .. وهو أنه كان مصاب بمرض شديد الصعوبة .. لأن المغتسل بالماء البارد والشرب منه لا علاقة له بإرجاع الأموال والأسرة ..!!

- وإنما زاده الله من فضله بعد نعمة الشفاء بأمور أخرى .. وهي إعادة بناء مجتمعة من حوله سواء من أسرته أو أمواله.

 

*********************

 

..:: س4: هل يمكن التصور أن يكون مرض أيوب هو من الأمراض المنفرة حتى هجره الناس ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- من المهم أن تعرف أخي الحبيب معلومة مهمة عند علماء المسلمين باتفاق بينهم .. أن الأنبياء معصومين .. من أوصاف الأخلاق الذميمة كالكذب والخيانة والنفاق وغير ذلك .. وأيضا معصومين من أوصاف الخلقة الذميمة المنفِّرة للناس من حولهم .. وإلا فكيف يحاورهم ويرشدهم ويوجههم ويدلهم على طريق الله .. وكيف تقوم الحجة على الناس حينئذ ؟!!

    

#- وسبب قول العلماء بعصمة الأنبياء من الأمراض المنفرة – حسب ما فهمت من كلامهم:

1- هو أن القرآن ليس فيه وصف لأي نبي أو رسول .. يدل على أن حدوث مرض منفر لنبي هو أمر جائز في حق الأنبياء .. وكذلك ليس في الأحاديث ما يدل على ذلك.

 

2- وجود مرض يسبب حجاب بين النبي وقومه .. يسقط قيام الحجة على الناس التي من أجلها تم إرسال الرسل والأنبياء .. إذ ما فائدة وجود النبي حينئذ بين قومه وهو بينه وبينهم حجاب ..!!

 

3- جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كان منه قوله: (اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم.  

- والبرص: هو مرض جلدي غير معدي ولكن يسبب بقع على الجلد.

- والجنون: هو ذهاب العقل.

- والجذام: هو مرض معدي في الجسم يسبب تآكل في الجلد واللحم.

- وسيء الأسقام: هو كل آفة أو مرض يسبب له حالة من العجز تسبب له حجاب بينه وبين الناس فتمنعه عن أداء مهمته في نشر دعوة الله.  

 

#- والشاهد من الحديث السابق .. هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الله أن لا يصيبه آفة تمنعه من أداء دعوته بين الناس .. ومن الملاحظ أن الدعاء مخصص بأمراض فيها ما يكون مسببا لفعل حجاب بينه وبين الناس بسبب هذا المرض ..  

 

@- إذن: العقيدة في أنبياء الله هو عصمتهم من الأمراض التي تحول بينهم وبين الناس .. وليس الأمراض الطارئة العادية التي تحدث مع عموم الناس .. كالأنفلونز والكحة والسخونة وما شابه ذلك ..

 

- وبالتالي حينما تقرأ في الكتب أن أيوب عليه السلام .. كان في مرض نفر منه الناس .. فهذا كلام باطل.

 

#- قال الشيخ أبو عبد الرحمن الحوت الشافعي (المتوفى: 1277هـ):

- قصة سيدنا أيوب عليه السلام .. وأن الله سلط عليه إبليس فنفخ عليه فأصابه الجذام حتى تناثر الدود من بدنه إلى آخر ما يذكره أهل القصص وبعض المفسرين من المنفرات .. طبعا كل ذلك زور .. وكذب وافتراء محض ولا عبرة بمن نقل ذلك .. وإن كان من الأجلاء .. حيث إن هذا لم يرد لا في كتاب الله .. وفي سنة رسوله .. حتى ولا في طريق ضعيف .. ولا واه، بل هو مجرد نقل بغير سند. (أسنى المطالب في احاديث مختلفة المراتب ص348).

 

#- قال الإمام المراغي رحمه الله (المتوفى: 1371هـ):

- نعلم على وجه لا يقبل الشك .. أنه لم يصب بأذى ينفر الناس منه .. ويمنعهم من لقائه والجلوس معه .. لأن ذلك شرط من شروط النبوة. (تفسير المراغي ج23 ص124).

 

#- وفي كلام الإمام محمد أبو شهبة رحمه الله (المتوفى: 1403هـ) كما ذكرت منذ قليل أنه قال:

#- الحق: أن نسج القصة مهلهل، لا يثبت أمام النقد .. ولا يؤيده عقل سليم .. ولا نقل صحيح .. وأن ما أصيب به أيوب من المرض .. إنما كان من النوع غير المنفر .. والمقزز .. وأنه من الأمراض التي لا يظهر أثرها على البشرة .. كالروماتيزم، وأمراض المفاصل، والعظام ونحوها .. (الاسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص281).

- والله أعلم .

 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .