ج17: قصة النبي أيوب عليه السلام - الفرق بين قوله (آتيناه أهله) و (وهبنا له أهله) - وماذا أفاد قوله (أهله) - ولماذا لم يقل الله "وهبناه" - الفرق في قصة أيوب بين قوله (رحمة من عندنا) و (رحمة منا) - الفرق في قصة أيوب بين قوله (ذكرى للعابدين) وقوله (ذكرى لأولى الألباب) - هل يمكن الظن من خلال لفظ (وهبنا) أن أهل أيوب ماتوا فأحياهم الله كما جاء في بعض آراء التفسير ؟ أو جمع له أهله بعد تفرق ؟ أو لم يكن له أهلا من أساسه فأصبح له أهل.

بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة قصص من كتب التفاسير

قصة النبي أيوب عليه السلام

بين الحقيقة القرآنية وخرافات في بعض الكتب التفسيرية

- مع كشف العيوب في روايات قيلت عن النبي أيوب -

- ومقارنة بين أيوب القرآن وأيوب التوراة -

- مع توضيح حقيقة (مسني الشيطان بنصب وعذاب)-

(الفصل السابع عشر)

#- فهرس:

:: الفصل السابع عشر :: عن قصة أيوب عليه السلام .. ج4/ عن مسائل في آيات قصة أيوب عليه السلام في القرآن ::

1- س32: ما الفرق بين قوله (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ) و (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ) - وماذا أفاد قوله (أهله) - ولماذا لم يقل الله "وهبناه" ؟

#- أولا: المقصد من كلمة (آتيناه) و (وهبنا له) و(أهله) ولماذا لم يقل (وهبناه)؟

#- ثانيا: ما الفرق بين الإيتاء والوهب وعلاقته بقصة أيوب ؟

2- س33: هل يمكن الظن من خلال لفظ (وهبنا) أن أهل أيوب ماتوا فأحياهم الله كما جاء في بعض آراء التفسير ؟ أو جمع له أهله بعد تفرق ؟ أو لم يكن له أهلا من أساسه فأصبح له أهل ؟

3- س34: ما الفرق في قصة أيوب بين قوله (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا) و (رَحْمَةً مِنَّا) ؟

4- س35: ما الفرق في قصة أيوب بين قوله (ذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) وقوله (ذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) ؟

*******************

:: الفصل السابع عشر ::

=================

..:: س32: ما الفرق بين قوله (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ) و (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ) وماذا أفاد قوله (أهله) ؟ ::..

 

#- من الأمور التي قد تلاحظها في آيات قصة أيوب .. قوله تعالى (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ) وقوله (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ) .. وتلاحظ أن الله تعالى قال: (أهله) ولم يقل "أهلا" ..

 

- إذ قال تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) الأنبياء:84.

 

- وقال تعالى: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) ص:42-43.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- أولا: المقصد من كلمة (آتيناه) و (وهبنا له) و(أهله) ولماذا لم يقل (وهبناه) .

1- دلت كلمه (آتيناه): على أن هذا الإيتاء إنما هو من محض فضل الله .. ولذلك قال تعالى (آتيناه) بإضافة هاء الخصوصية .. أي خصصناه بهذا الفضل .. ولم يقل (آتينا) حتى لا تظن أن هذا العطاء كان سبق لغيره أو ممن يتم منحه لأي أحد .. لا إنما هو خصوصية فضل لأيوب.

 

2- دلت كلمة (وهبنا له): على أن إيتاء الفضل لأيوب كان وهبا له وليس طلبا من أيوب .. فكان مزيد عطاء لأيوب فوق ما دعا به كمزيد من خصوصية رحمة من ربه إليه..

 

3- وقال تعالى (ووهبنا له) ولم يقل (وهبناه) .. لأن لم يرد أن يثبت لأيوب فقط خصوصية العطاء .. أراد أن يثبت أن خصوصية هذا العطاء لكونه مختصا بأيوب ومستحقا له وتكريما له .. لقيامه بحق العبودية .. ولذلك قال تعالى في حقه: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ص:44..

- فحرف الهاء في قوله (آتيناه) أثبت خصوصية عطاء لأيوب .. وحرف (له) في قوله (ووهبنا له) أثبت لأيوب أنه عطاء مختصا به دون غيره ولكونه مستحقا لهذه الخصوصية .. والله أعلم.

 

4- دلت كلمة (أهله): هم أهل أيوب الذين يعرفهم وليس غيرهم .. وإلا كان قال تعالى "آتيناه أهلا" .. ولكن القرآن كان دقيقا بقوله (أهله) لتعرف أنهم أهله الذين كان يعرفهم ويعيشون معه أو حوله أو بجواره ..

 

#- ثانيا: ما الفرق بين الإيتاء والوهب وعلاقته بقصة أيوب ؟

- لفظ الإيتاء .. يكون إما عن كسب وإما عن وهب .. فهو لفظ جامع .. أي قد يعطي الله إنسان عطاء فيؤتيه له من خلال سعيه وحركته في الحياة مثل كسب مال لشراء سيارة أو شقة .. وقد يرزقه وهبا من حيث لا يعلم ولا يدري بدون حركة سعي منه مثل صحة الإنسان ومثل من يرث أحد أقرباءه ..

 

- إذن: لفظ الإيتاء .. يأتي جامعا للعطاء الرباني للإنسان سواء من خلال سعيه أو بدون سعي منه ..، أما لفظ الوهب فهو لفظ يأتي مخصوص على سبيل العطاء الذي لم يكن للإنسان قدرة على كسبه كما سبق وأوضحنا .

 

- فمسألة ذكر لفظي (الإيتاء والوهب) في قصة أيوب .. كانت إيتاء من فضل الله لأيوب على سبيل الوهب أي هي محض فضل موهوب من الله إلى أيوب .. في مسألة الأهل ومثلهم معهم .. لأن أيوب لم يدعو بطلب ذلك فآتاه الله من فضله على سبيل الوهب منه إلى أيوب فوق ما دعا به ربه.. فكان لأيوب عطاء موهوب بخلاف ما طلبه ودعا به في استرداد صحته وعافيته.

 

#- إذن: الفرق بين قوله (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ) و (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ):

- أن الإيتاء كان فيه إثبات عطاء لأيوب بجمع أهله معه وبارك له فضاعفهم له .

- وإنما أتى بلفظ (ووهبناه) في آية أخرى .. لتفهم أن هذا الإيتاء إنما كان عن وهب من الله لأيوب فضلا وكرامة .. لم يطلبها أيوب أصلا في دعاءه .. وإنما خصوصية عطاء فوق كرامة إجابة دعوته .. أي وهبه عطاء بخلاف إجابة دعاءه .. وهذا العطاء هو أن جمعه بأهله وبارك له فيهم ..

- هذا رأيي والله أعلم.

 

********************

 

..:: س33: هل يمكن الظن من خلال لفظ (وهبنا) أن أهل أيوب ماتوا فأحياهم الله كما جاء في بعض آراء التفسير ؟ أو جمع له أهله بعد تفرق ؟ أو لم يكن له أهلا من أساسه فأصبح له أهل ؟ ::..

 

#- انتبه: سؤالنا هنا وهو السؤال رقم (33) .. لا نبحث فيه عن سبب قول الله (ووهبنا) .. وإنما في كيفية هذا الوهب للأهل .. من خلال إسقاط بعض الآراء التفسيرية على لفظ (ووهبنا) وكيف يكون التفسير حينئذ ..

 

- فإذا انتبهت لما ذكرته لك .. فقد سبق وذكرنا في الفصل السابق أن أحد الآراء التفسيرية قال: أن الله أحيا أولاد أيوب لأيوب بعد أن ماتوا .. فهل يمكن الظن بذلك الرأي من خلال لفظ (وهبنا) .. ؟!! وهل يمكن الظن من خلال لفظ (وهبنا) أن قام بجمعهم بعد التفرق ؟ وهل يمكن الظن من خلال لفظ (وهبنا) أن أيوب لم يكن له أهلا فأوجد له أهلا ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- حينما وقفت فترة أمام لفظ (وهبنا له) .. فهو لفظ محير .. وإن كان المقصد منه إن العطاء كان فوق ما دعا به أيوب .. إلا أنه يخاطرني شيء في نفسي أحببت أن أذكره لكم .. وسأذكر لكم ما جال بخاطري من أفكار ..

 

#- التفكير الأول الذي خطر ببالي:

1- ماذا لو افترضنا أن أولاد أيوب ماتوا بسبب مرض أو حتى بصورة طبيعية .. وإن كان لا يوجد دليل على ذلك من أساسه ..ولكن لفظ (ووهبنا له أهله) قد يكون مشيرا إلى ذلك .. كيف ذلك ؟

- الوهب معناه: هو عطاء مما تملكه أنت أو تستطيع أن تمنحه للآخر على سبيل الكرامة والفضل وليس على سبيل العوض أي بدون أن تأخذ عِوَض أو مقابل منه.

 

2- فحينما يقول الله في قصة أيوب (وهبنا) فهذا معناه عطاء خصوصية موهوب .. ويغلب على الظن أنه لم يكن في حيازة أيوب أي لم يكن أهل أيوب حوله .. وإلا ما كان وهب الله أهله له .. ولفظ الوهب يشعرنا بأن أهل أيوب كانوا في ذمة الله أي ماتوا فوهبهم الله له .. إذ أن الوهب هو عطاء على سبيل الكرامة والفضل .. فلو كانوا موجودين فعلا حول أيوب .. فما فائدة الوهب حينئذ إذا كانوا فعلا موجودين ؟!!

 

3- والذي قد يؤيد ما سبق .. هو أن الله وهب اسحق ويعقوب لإبراهيم إذ قال تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا) الأنعام:84 ..، ووهب لداود سليمان إذ قال تعالى: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ) ص:30.

 

- فنلاحظ أن في وهب الذرية للأنبياء يأتي لفظ الوهب .. فلماذا لا يكون أيضا في وهب أيوب أهله بعد أن ماتوا .. لأن لفظ الوهب يدل على أن أهله كانوا في ذمة الله ولذلك وهب الله أيوب ما هو في ذمته إليه على سبيل الفضل والكرامة .. خاصة وأنها رحمة منه خاصة بأيوب .. ؟!!

 

4- بل وقد يؤيد ما سبق أيضا هو قوله (وهبنا له) إذ أن لفظ (له) يدل على أنه وهب على سبيل الإختصاص والاستحقاق لقيام أيوب بحق العبودية لربه .. فيكون ما وهبه الله لأيوب هو أعجوبة وشيء غير متوقع ولا يخطر على البال .. وهذا هو ما قد يشار به إلى إعادة ما فقد من أهله.

 

5- بل ولعل أيوب لم يخطر بباله أن يدعو ربه أن يجمع عليه شمل أهله .. لأنه فقدهم فعلا وظن أن هذا ليس باختيار مباح في الدعاء أن يدعو به الله لإعادتهم .. فاكتفى بما هو متاح وممكن في حقه أن يحدث وهو أن يشفيه الله فقط .. ولكن كان كرم الله عليه أكبر بأن وهب له كل ما فقده من أهله.

 

#- ملحوظة هامة:

- أي رأي يقول بان زوجة أيوب كانت باقية معه .. فيكون قوله (مثلهم معهم) أن الله أصلح زوجة أيوب وجعلها قادرة على الإنجاب حتى أنجنب مثل ما كان لها من الأولاد .. وبالتالي يكن هذا من جملة الوهب الذي أعطاه الله لأيوب ان أصلح له زوجه للإنجاب مرة أخرى. (هذا للمعلومية).

 - علما أيضا .. بأننا لا نعلم كم كان عمر زوجته وقت ابتلاءه حتى نظن انها كانت قادرة على الإنجاب أم لا .. ولا نعرف هل كان متزوجا أصلا أم لا ..!!

 

#- ثانيا: التفكير الثاني الذي خطر ببالي ..

 - هذا كان ردي وتعليقي على تفكيري السابق برؤية أخرى فقلت:

1- الوهب الذي أتى في القرآن مصاحبا للرحمة .. هو الذي أتى بمعنى المدد مثل قوله في موسى: (وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا) مريم:53 .. وهذا الوهب ليس بمعنى أن أوجد الله هارون لموسى من العدم .. وإنما المعنى أنه أمده بأخيه نبيا معه كرحمة من الله لموسى حسب طلب موسى من ربه أن يمده بأخيه.

 

- وفي قصة أيوب قال تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) ص:42-43.

- فيكون لفظ الوهب المصاحب للرحمة معناه الإمداد من فضل الله .. ويكون لفظ الوهب حينئذ هو العطاء من فضل الله من قدرته على جمعهم إليه مرة أخرى بعد تفرقهم إذ ما كان له قدرة على جمعهم إليه لولا فضل الله عليه الخاص ورحمته الخاصة التي كانت سببا في جمع أهله عليه مرة أخرى.

 

- ولعل لفظ (مثلهم معهم) هم أحفاده من أولاده .. لأن لفظ (معهم) يشعرنا بأن الوهب كان للأهل ومثلهم في وقت واحد .. ولا مانع أن يكون (مثلهم معهم) في فترة لاحقة .. والله أعلم.

 

2- أما عن الرد على التفكير الأول القائل بأن الوهب بمعنى إحياء أبناء أيوب فأقول:

أ- لو كان الوهب المقصد به إحياء أهل أيوب .. لكان قال الله تعالى: "وأحيينا له أهله – ووهبنا له مثلهم" ..

- ويمكن أن يجاب على هذا: بأن لفظ الوهب مناسب للعطاء في سياق إجابة الدعاء ويجمع معه مفهوم الإحياء.

 

ب- ولو كان لفظ الوهب بمعنى إحياء أهل أيوب .. فهذا معناه أن قوله (ومثلهم معهم) كانوا أيضا أمواتا فأحياهم له .. لأن لفظ الوهب جامع للأهل ومثلهم .. وبالتالي فمن هؤلاء المثل الذي أحياهم معه ؟!!

- ولا يصح أن يقال أن (مثلهم) تعني الأموال .. لأن (مثلهم) تتعلق بالأهل أي أشخاص .. وكذلك ليس المقصد بمثلهم هم خدم أيوب .. لأنهم ليسوا من أهله ليكونوا مثلهم ..

- ويمكن أن يجاب على هذا: بأن جملة (ومثلهم معهم) مستقبلية وليس في نفس لحظة إتيان أهله.

 

#- ثالثا: التفكير الثالث الذي خطر ببالي .. (وهو تفكير غريب شوية لم يذكره أحد).

- ماذا لو فكرنا وقلنا أن أيوب لم يكن له أهل من أساسه ..؟!

- لأنه لا يوجد دليل على أن أيوب كان متزوج وله اولاد .. ويكون قوله (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم) هو أن الله بعد أن شفاه من مرضه وهب له أهله الذين أصبحوا معه بعد شفاءه وبارك له فآتاه بمثلهم ..

  

#- رابعا: التفكير الرابع الذي خطر ببالي ..

1- وماذا لو ظننا أن أهل أيوب ومثلهم هم عهد جديد بأيوب ..

- فيقال حسب الرأي القائل بأن أيوب منحه الله أهله ومثلهم .. بمعنى وهبه من أصبحوا أهله وضاعف له عدد من كانوا موجودين سابقا .. إذ أن من يقول بأن (ومثلهم معهم) في فترة مستقبلية .. فما المانع أن يكون أهله أيضا في فترة مستقبلية طالما لفظ الوهب يشمل الأهل ومثلهم ؟!!

 

2- وبالرغم من وجاهة هذا الرأي إلا أنه يمكن الرد عليه:

- أن لفظ (أهله) يدل على أنه كان يعلمهم .. ولكن مثلهم معهم هو قد يكون جمعه الله بأهله وكان مثلهم معهم في العدد من الذرية والأحفاد حينما جمعه الله بأهله .. أو قد يكون في فترة لاحقة أتى مثلهم .. ولكن لفظ |(معهم) يوحي بأنهم حضروا مع أهله .. والله أعلم .

 

#- خلاصة القول:

- ما سبق في هذا السؤال .. هو فقط كان مناقشة عقلية بيني وبين نفسي في فهم لفظ (ووهبنا) بصورة أسقطتها على بعض الآراء التفسيرية .. لتفسير أقرب للصواب .. لأن العلم عند الله في تفسير كتابه ..

- فقوله (ووهبنا له أهلَه) سواء كان المقصد هو إحياء أهل أيوب له .. أو جمع شمله بهم .. وكلا الرأيين محتملين .. إلا أن المقصد هو أن الله أعاد له أهله وجمعه بهم .. ولكن لا علم يقين عندنا بأن هذه العودة .. كانت عن فقد بالموت .. أم فقد بالبعد .. ؟!! لا نعلم.

 

- والمقصد عموما من خصوصية لفظ (وهبنا) .. هو توضيح من الله لنا أن الله أعطى أيوب ليس فقط ما طلبه في نفسه ورجاه من ربه وهو الشفاء فقط .. لا .. بل اختصه بخصوصية عطاء بما لم يخطر بباله فوق رجاءه الذي طلبه من ربه .. وهو جمعه بأهله ومثلهم معهم ..

- والله أعلم.

 

*********************

..:: س34: ما الفرق في قصة أيوب بين قوله (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا) و (رَحْمَةً مِنَّا) ؟ ::..

 

#- جاء في قصة أيوب عليه السلام ..

- قال تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) الأنبياء:84.

 

- وقال تعالى: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) ص:42-43.

 

- ونلاحظ في الآيات السابقة .. يوجد اختلاف لفظي جديد أيضا خلاف ما ذكرناه سابقا .. وهو بين قوله (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا) .. و قوله (رَحْمَةً مِنَّا) .. فما الفرق ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- الفرق بين (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا) .. و (رَحْمَةً مِنَّا) ..

1- (رحمة من عندنا) أي رحمة مخصوصة أصابته من أرحم الراحمين فتم شفاءه ومعها مزيد من فضله أيضا وهم أهله ومثلهم معهم ..

- فالمقصد من قوله (رحمة من عندنا) باعتبار وجودها وظهورها على أيوب كعطاء ملموس حدث له.

- ولذلك لما سأل النبي زكريا السيدة مريم عليهما السلام .. عن سبب الرزق الذي يجده في غرفتها .. فقالت هو من عند الله.

- إذن: يقال للشيء هو من عند الله حينما يظهر له أثر في الوجود دلالة على أن هذه نعمة الله قد أعطاني إياها .. وهذا يقال غالبا في الشيء الذي يحدث بدون أسباب .. كالذي يشفى بدون سبب أو كالذي لديه ذكاء مخصوص .. أو ما شابه.

 

2- أما عن قوله (رحمة منا): أي أن هذا الشفاء وهذا الوهب بالأهل ومثلهم معهم .. إنما مصدره وحقيقته هو أرحم الراحمين.

 

3- فقوله (رحمة من عندنا) من حيث ظهور أثر نعمة ورحمة الله على أيوب  في شفاءه وعطاء الله لأيوب في أهله ومثلهم .. وقوله (رحمة منا) بيان أن مصدر هذه الرحمة التي تنزلت وأصابت أيوب إنما موجدها وفاعلها هو الله ..

 

#- باختصار: قوله (رحمة من عندنا) باعتبار النعمة و الرحمة التي تنزلت من عند الله وظهرت على أيوب ..، وقوله (رحمة منا) باعتبار المنعم أو الرحيم الذي أنعم بهذه النعمة أو الرحمة على أيوب .

 

- كأنه يقال: (رحمة منا آتته من عندنا).

 

- مثال لبيان ما سبق: قد يحسن إليك أحد فيعطيك مالا .. فيقال لك هذا من عند فلان هدية لك .. ولكن إذا سألت عن مصدرها سيقال لك أن هذه مرسله من فلان ..  

 

- هذا رأيي والله أعلم.

 

***************************

 

..:: س35: ما الفرق في قصة أيوب بين قوله (ذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) وقوله (ذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) ؟ ::..

 

#- جاء في قصة أيوب عليه السلام ..

- قال تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) الأنبياء:84.

 

- وقال تعالى: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) ص:42-43.

 

- لو لاحظنا في الآيات السابقة .. أنها مرة تنتهي بقوله (ذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) ومرة تنتهي بقوله (ذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) .. فما الفرق أو ما المقصد من ختام كل آية ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- لفظ العابدين .. يقال للذين التزموا بكونهم عباد لله مخلصين له .. يعني يعبدون الله وقلوبهم طالبة لرضاه .. ولا يربطون عطاء الدنيا بعبادة الله .. فسواء أعطاهم أم لم يعطيهم فهم في عبادة مع الله إلى آخر لحظة في حياتهم.

 

- ولفظ أولي الألباب .. يقال لأصحاب العقول المنتبهة بفهم صحيح لما تسمعه وتستوعبه جيدا فتعمل به ..

 

- فيكون المقصد أن هذه القصة .. هي وسيلة تذكرة لكل مؤمن عاقل متدبر لآيات الله بصير بما يخبره به  الله .. وقلبه ملتزم بعبوديته مع ربه طالبا رضاه ..

 

- وهذا نفهم منه أنه يجب الفهم الصحيح مع العبادة المخلصة .. ليستقيم حالك مع مولاك خاصة وقت الإبتلاء.

 

@- فإذا علمت ما سبق .. فأجد من رأيي أن سبب ذكر لفظ العابدين ولفظ أولوا الألباب في آيتين مختلفتين له حكمة .. وأذكرها لك في الآتي:

1- فالآية التي أتى فيها لفظ (لِلْعَابِدِينَ) هي الآية التي أتى فيه لفظ (آتَيْنَاهُ) وجملة (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا) .. أي تفضلنا عليه بتنزيل الرحمة وتحقيقها لأيوب فعلا .. وكأن الله يقول للعابدين المخلصين لله .. اطمئنوا مهما صادفكم من ابتلاء فإنكم محل عناية الله ولكن قد يجري القدر عليكم بأحكام ابتلاء ليطهركم ويصطفيكم ويعلو بمقامكم .. وقد يطول الإبتلاء فاصبر وكن موقنا بأنك محل عناية الله .. ولا تشك بأنك موصول بربك ..

 

2- أما عن الآية التي أتى فيها لفظ (لِأُولِي الْأَلْبَابِ) .. فهي الآية التي أتى فيها جملة (وَهَبْنَا لَهُ) و(رَحْمَةً مِنَّا) .. وكأن الله يريد أن ينتبه أولى الأفهام والعقول الرشيدة إلى أن قصة أيوب ليست عن عطاء أسباب وإنما عطاء وهاب.. فلا قياس لها في العقل حتى تسأل وقت الإبتلاء كيف يتم رفع الإبتلاء وقانون الأسباب يستحيل فيه ذلك .. لا .. طالما تتعلق بربك .. فلا أسباب وإنما وهاب .. فالتزم بعبوديتك مع المولى وارفع إليه الشكوى .. وكلك أمل ورجاء في الله دون ملل أو يئس .. وكن أوَّاب إلى الله .. وقل: يا رب مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ..

- واتركه يدبر لك .. واعلم أن الأمور تحدث في الوقت الذي يريد وليس في الوقت الذي أنت تريد .. سبحانه فعال لما يريد ..

 

#- وخلاصة القول:

- أن الله ختم كل آية بما يناسبها حسب سياق ألفظ كلماتها .. 

- فالعابدين ليطمئنهم بتحقيق النعمة ونزول الرحمة إليهم وقت الإبتلاء وأن عبادتهم لا تذهب في الوهم ولا تضيع ..

- وأولوا الألباب ليتيقنوا أن المستحيل مع الله لا وجود له لأن إذا كان المستحيل بقانون الأسباب ولكنه لا مستحيل مع الوهاب جل جلاله.

- هذا رأيي والله أعلم. 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .