ج21: قصة النبي أيوب عليه السلام - هل الشيطان يمكن أن يتسلط على الأنبياء فيتمكن منهم في أنفسهم وأجسادهم وأموالهم وأولادهم- هل يمكن للشيطان أن يتسلط على أي نبي في جسمه بالضرر بدليل قول النبي محمد (اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا).

  بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة قصص من كتب التفاسير

قصة النبي أيوب عليه السلام

بين الحقيقة القرآنية وخرافات في بعض الكتب التفسيرية

- مع كشف العيوب في روايات قيلت عن النبي أيوب -

- ومقارنة بين أيوب القرآن وأيوب التوراة -

- مع توضيح حقيقة (مسني الشيطان بنصب وعذاب)-

(الفصل الحادي والعشرون)

 #- فهرس:

:: الفصل الحادي والعشرون :: عن قصة أيوب عليه السلام .. مسائل خاصة متفرعة على قصة أيوب ::

1- س46: هل يصح الإعتقاد بأن الشيطان يمكن أن يتسلط على الأنبياء في أنفسهم وأجسادهم وأموالهم وأولادهم ؟

#- أولا: هل يمكن للشيطان أن يتسلط على الأنبياء في أنفسهم بالوسوسة ؟

#- ثانيا: هل يمكن للشيطان أن يتسلط على أموال الأنبياء ؟

#- ثالثا: هل يمكن للشيطان أن يتسلط على أولاد النبي أو الرسول ؟

#- رابعا: هل يمكن للشيطان أن يتسلط على النبي في ظاهر جسده بالأمراض والأوجاع ؟

#- خامسا: هل يمكن للشيطان أن يتسلط على أي نبي في جسمه بالضرر بدليل قول النبي محمد (اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ - وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا) ؟

******************

:: الفصل الحادي والعشرون ::

===============

 

..:: س46: هل يصح الإعتقاد بأن الشيطان يمكن أن يتسلط على الأنبياء فيتمكن منهم في أنفسهم وأجسادهم وأموالهم وأولادهم ؟ ::..

 

- هذا السؤال قد يكون غريب على البعض .. وملفت للإنتباه أيضا .. خاصة وقد انتهينا تقريبا من مسائل قصة أيوب عليه السلام والتي تكلمت فيها حسب ما رزقني به الله .. وتبقى فقط ختام الرسالة بخلاصة القول فيها مجملا بنتائج لطيفة تتعلق بقصة أيوب.

 

- ولكن قبل ختام رسالة قصة أيوب .. كنت تركت ثلاث مسائل للكلام فيها .. ولكني اكتفيت بسؤال عام لمناقشته ..

- وهذا السؤال وإن لم يكن من محتوى قصة أيوب .. إلا أن له ارتباط بالقصة من ناحية معينة .. وهي ناحية التسليط الشيطاني عموما وعلاقته بالأنبياء والرسل .. إذ لم اخصصه بأيوب عليه السلام .. فجعلته سؤال عام .. بسبب الفساد المنتشر في الأرض بتعظيم قدرات الشيطان في تسليطه على البشر حتى جعلوا الأنبياء مقهورين بالشيطان في أجسامهم وأنفسهم وأولادهم وأموالهم ..!!

   

#- والسبب هو حسب ما أرى: تعظيم قدرات الشيطان في نفوس الناس ليظهروه بأن له قدرة على التصرف في البشر .. ولكن ليس كل البشر .. ما عدا هم طبعا الذين يقولون بذلك .. لأنهم محصنين ..!!

 

@- والسؤال الأول: الذي نناقشه هنا .. هل يجوز أو يمكن أن يتسلط شيطان  على الأنبياء فيؤذيهم في أنفسهم وأجسادهم وأموالهم وأولادهم ؟

- لأنه مثلا لو افترضنا أنه يمكن للشيطان أن يمرض الأجساد .. فما المانع أن يقال حينئذ بأن الشيطان هو من أمرض أيوب مثلا بفايروس معين كسبب لحدوث المرض .. مثلما نصاب بأمراض في أي وقت بأسباب معدية وإن كان خالق المرض هو الله والذي أذن بحدوث المرض هو الله .. ولكن الوسيط في نقل المرض هو كان من عالم الأسباب .. كالذي يأكل حلوى فاسدة أو طعام فاسد ويحدث له تسمم أو اضطرابات في بطنه ..

 

- والحقيقة أن مسألة تسليط الشياطين على الأنبياء .. هو باب في العقيدة الإسلامية فيه اختلاف فيما يتعلق بعصمة الأنبياء .. وفيه خلاف في حدود تسليط الشيطان عليهم .. أي ما هي أقصى ما يستطيع أن يفعله معهم الشيطان ؟!!

- ولكن انتبه: هم متفقون على الأنبياء والرسل ليس للشيطان عليهم سلطان بالغواية والتضليل .. أي لا يؤثر فيهم بوسوسته .. والبعض له شذوذ في ذلك غريب .. وغير مفهوم ..!!

 

- فالبعض قال: أقصى حدوده بالوسوسة هو مجرد المحاولة بالوسوسة دون تأثير عليهم بالإنقياد لهذه الوسوسة .. وهذا هو الحق الموافق للقرآن وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

- والبعض قال: يمكن للشيطان أن يؤثر في النبي بفعل تفاهات الأمور دون فعل الكبائر أو الصغائر .. (ولا أعرف الفرق بين التفاهات وبين الصغائر من وجه نظر أصحاب هذا الرأي) ..!! ولكن لا أدري كيف يُعقل ذلك الرأي أو تصوره في الأنبياء .. لأنهم بذلك يكونوا قد أثبتوا تمكين الشيطان من النبي وانصياع النبي للشيطان حتى ولو في تفاهات الأمور التي زعموها .. بل ويكون أثبتوا تأثير تمكين الشيطان من باطن النبي بدليل أن النبي قد استجاب له ..!! وهذا رأي باطل بكل تأكيد ..

 

@- فإذا علمت ما سبق أخي الحبيب .. فتأمل الآتي جيدا وكن بصيرا:

 

======================

 

#- أولا: هل يمكن للشيطان أن يتسلط على الأنبياء بالوسوسة ؟

 

- قلنا سابقا في الرسالة .. هناك فرق بين فعل الوسوسة وبين التأثير بالوسوسة .. فالوسوسة مجرد تزيين بكلام فيه غواية لفعل معصية أو كفر .. والتأثير هو الإستجابة لهذه الوسوسة.

 

- فمن الممكن أن يتسلط الشيطان على الأنبياء بوسوسة الغواية (التضليل في الحق) .. من حيث دعوتهم للمعصية أو للكفر .. ولكن هو لا يؤثر بهذه الوسوسة عليهم ليغويهم لأنهم لا يستجيبون له .. سواء كانت الغواية لهم بالعصيان أو بالكفر .. لأن معنى كونه أثر فيهم بوسوسته للغواية فهذا معناه أنه تمكن منهم .. وهذا مخالف للقرآن حينئذ.. إذ قال تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) النحل:99-100.

 

- إذن: حدود تسليط الشيطان بالوسوسة على الأنبياء .. هو مثل عموم الناس هو مجرد عرض منه أو تزيين لهم بفعل معصية أو تحريض على الكفر .. فإما أن يقبلها النبي أو يرفضها .. وهذا هو فعل الشيطان عموما كما حكاه القرآن: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ...) إبراهيم:22.

 

- فالأنبياء لا يتبعون أي لا يستجيبون أي لا يتأثرون بأي وسواس من الشيطان .. أي ليس له سلطان تمكين فيهم بالغواية لفعل معصية أو للكفر بالله .. لأن التمكين من الأنبياء والرسل معناه استيلاء الشيطان بسلطان عليهم من خلال وسوسته حتى قهرهم بهذه الوسوسة واستجابوا له  .. وهذا لا يمكن تصوره او حدوثه مع نبي أو رسول .. لأنه لو تصورنا ذلك فنتصور ما هو أبعد من ذلك أن الشيطان قهره في نفسه وعجز عن التمييز بين الحق والباطل .. وبالتالي تكون كل النبوات قد بطلت ولا يصح منها شيئا لإمكانية تصور أن النبي والرسول يستجيب لشيطان ..!!

 

#- ومما سبق تدرك .. لماذا رفضنا كل الأقوال التي قالت أن أيوب قد أذنب ذنبا لأنه استجاب للشيطان في وسوسته له بفعل معصية .. ففعلها .. فعاقبه الله وابتلاه بسبب ذلك .. وهذا كلام باطل جدا بل ومخالف لوصف القرآن لأيوب بأنه أواب.. وسبق وشرحنا ذلك بالتفصل في فصول بالرسالة هنا فارجع إليها ..

 

========================

 

#- ثانيا: هل يمكن للشيطان أن يتسلط على أموال الأنبياء ؟!!

 

1- إن كان المقصد بالتسليط هنا .. هو مجرد الوسوسة بالمعصية أو الظلم بهذا المال .. فمحتمل حدوث شيء من الوسوسة .. ولكن لا تؤثر فيهم هذه الوسوسة ولا يستجيب الأنبياء لذلك كما سبق وأوضحنا.

 

2- وإن كان المقصد بالتسليط على هلاك المال للنبي .. هو وسوسة الشيطان لبعض الناس ليحرضهم على ذلك النبي ليفسدوا أمواله من خلال الوسوسة لهم بالغيرة والحسد على هذا النبي لغناه وبركة الرزق عنده .. فهذا محتمل .. بل ويحدث كثيرا في عالمنا .. إذ يتم تحريض بعض أهل الشر لحرق مطعم فاخر أو مصنع أو محل تجارة لأصحاب غنى .. وذلك حقدا عليهم ورغبة منهم في التشفي منه .. وهذا يكون من تأثير وسوسة الشيطان لهم بتحريضهم على ذلك الفعل ..

 

3- وإن كان المقصد هو التسليط على أموال الأنبياء فيهلك مثلا لهم الحرث والماشية كما قالت الروايات المنسوبة بالباطل لقصة أيوب عليه السلام .. فهذا له تصورات عقلية حينئذ يجب أن تقال لو افترضنا إمكانية فعل الشيطان بإهلاك أموال النبي:

أ- لو كان للشيطان تصرف في ماديات النبي فهذا معناه أن للشيطان تأثير فعل بالتصريف في الوجود المادي لهذا النبي .. ونفهم منه أن ماله حرام لأن المال الحلال محصن بالزكاة والصدقة .. فكيف لشيطان يقترب من هذا المال ؟!! ولا يخفى على الأنبياء فعل الزكاة والصدقة فضلا عن أن أيوب يقال عنه أنه كان من الأكرمين نفقة.

 

ب- ولو كان للشيطان تصرف في ماديات النبي .. فكيف لم يعلم ذلك النبي ليستعيذ منه أو لم يخبره الله بذلك ؟!! والشاهد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يعرفون الشيطان سواء في حال الكشف أو في حال تجسده بهيئة حيوانية مثلا ..

 

ج- ولو كان للشيطان تصرف في ماديات النبي .. فلماذا لا يفعل ذلك مع كل إنسان ليهلك ماله .. فيدمر كل أموال الصالحين ويسرقها ويقهرهم في حياتهم ..؟!!

 

د- ولو كان للشيطان تصرف في ماديات النبي بالسلب والهلاك .. فيقال حينئذ ما المانع أن يكون هذا الكيان الشيطاني هو من أمده بها بالعطاء والإمداد من قبل ؟!! فطالما المسألة هي إعطاء قدرة للشيطان بالتصرف في وجود الإنسان بالسلب .. فلا مانع أن تثبت له القدرة على الإيجاد وليس السلب فقط .. ولو كان الامر كذلك فهذا ينقسم لأمرين:

 

- الأول: لو قيل أن هذا الهلاك كان يحدث والشيطان بصورة مادية .. أي يتجسد في شكل مادي (طبعا بغير صورة إنسان سويا) .. ويسرق من ماله أو يهلكه .. فتكون مصيبة إن لم يخبره الوحي بذلك .. فهذا تسليط بتمكين من النبي..، ويقال حينئذ أن الذي يتصرف في المال يتصرف في الأعراض فما يدرينا حينئذ أن اولاد النبي هم أولاده فعلا ؟!!

- وهذا من أحقر المعتقدات التي يمكن أن يعتقدها إنسان مؤمن في حق نبي ..!!

 

- الثاني: لو قيل أن هذا الهلاك كان يحدث من الشيطان بصورة روحانية .. أي من وراء حجاب .. فالمصيبة أكبر لمن يعتقد ذلك .. لأنه بذلك جعلوا الشيطان متصرفا في عالم المادة من وراء حجاب بالهلاك .. فهو حينئذ متصرفا أيضا بالإمداد .. فمن هو مولى الغيب والشهادة حينئذ ؟!!

 

#- وكل ما سبق مخالف للقرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم:

- إذ قال جل شأنه: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ...) إبراهيم:22.

- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيَدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

 

#- يا مؤمن احترم قرآنك وعقلك:

- واعلم أن القول بأن الشيطان يمكن أن يتسلط على أموال الأنبياء فيهلكها .. هو قول باطل وفاسد جدا .. ولا يقول به عقل رشيد .. بل ولا وجود له في دين المسلمين .. إلا من اعتقد بصحة توراة اليهود في قصة أيوب .. ولا يخفى أن من اعتقد بصحة التوراة فقد كفر بالقرآن لأن القرآن أثبت التحريف فيها ..!!

 

- واعلم أنه لو كان للشيطان قدرة على إهلاك أموال الناس من ذاته .. لعبده الناس من زمن طويل .. ولفقد المؤمنين إيمانهم ولم يعد على الأرض مؤمنا بالله .. لأن الشيطان أصبح في نظرهم هو النافع وهو الضار .. وهذا كفر صريح بالله ..!!

  

- واعلم أخي الحبيب .. أن الشياطين لم يكن له تصرف على الأرض بفعل أمور مادية إلا فقط في زمن سليمان عليه السلام .. وكان ذلك بإذن من الله .. وكانوا يفعلون له ما يعجز عنه البشر .. "حتى ظننت يوما أن المهندسين المصريين هم من صمموا الأهرامات والمعابد والتماثيل ولكن الذي قام بتنفيذها هم جن سليمان الذين سخرهم لفعل ذلك من باب الصلة الطيبة بين وبين الفراعنة في ذلك الوقت" .. ولعل هذا الظن في نفسي نشأ من رؤية آثار الفراعنة وضخامتها .. وبين قوله تعالى: (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ) سبأ:12-13.

 

#- المقصد من كل ما سبق:

- هو ن الشيطان لو كان له سلطة تصرف في العالم المادي بالسلب والإيجاد .. فنحن حينئذ لا نتكلم عن شيطان بل إله ..!!

- ونعوذ بالله من هذا المعتقد الفاسد والمنحرف عن الحق تماما ..

====================

 

#- ثالثا: هل يمكن للشيطان أن يتسلط على أولاد النبي أو الرسول ؟

 

1- لو كنت تقصد .. أن الشيطان يمكن يتسلط على أبناء النبي موسوسا لهم بالغواية فيؤثر فيهم .. سواء غواية بفعل معصية أو بالكفر .. فهذا محتمل .. فقد أغوى أبناء يعقوب بالمعصية ففعلوا بيوسف ما فعلوه .. ولعله أغوى بن نوح فكفر .. وهذا ما لا قدرة للأنبياء على منعه .. لأن كل إنسان وله اختباره الذي يعيشه مع أفكاره ورغباته وما يصاحب ذلك من وسواس .. وإما أن يقبل أو يرفض .. ثم قد يتوب أم لا يتوب .. وهكذا ..

 

- إذن: لا تنسى أن الوسواس هو عموما اختبار لجميع البشر .. ويحدث لهم .. ولكن إيمان الآباء لا يمنع من كفر الأبناء .. فكل إنسان واختياره.. حسب قدره الذي تظهر له فيه اختباراته.

 

2- ولو كان المقصد .. أن الشيطان تسلط على الأنبياء وشاركهم في أبناءهم .. من خلال زنا الأنبياء بالنساء فكانوا أبناء أنبياء .. فهذا من أحقر وأحط ما يمكن أن يقال في حق نبي .. ولا يخفى كذب من يقول بهذا الكلام .

 

3- ولو كان المقصد .. أن الشيطان يمكن أن يتسلط على أبناء النبي أو غير النبي فيقلتهم .. فهذا يقال له:

أ- إن كنت تقصد إمكانية حدوث ذلك وهو في حال مادي .. أي يتجسد فيقتل الأولاد والأهل .. فهذا من المستحيل حدوثه .. لأن الشيطان لا يتمثل بصورة إنسانا سويا ولا قدرة له على هذا الفعل .. وإلا كان قتل آدم من بداية الخليقة .. وقتل الأنبياء والمرسلين والصالحين والمؤمنين في كل زمان ومكان .. ولكن من له أدنى معرفة بالأمور الروحانية يعلم تمام العلم أن التجسيد الروحاني للشيطان المتجسد في هيئة تشبه الهيئة الآدمية (وليس إنسانا سويا) لا قدرة له على هزيمة إنسان حتى ولو طفل ..!!

 

ب- ولو كان متجسدا بهيئة حيوانية .. فهذا يكون حسب حاله المتجسد عليه لأن هذه أصلا حقيقته في العالم الروحاني فلو ظهر بصورة أفعى فهو أصلا هذه هي صورته الروحانية أيضا.

 

- ولكن التصور بوجود شيطان في هيئة إنسانا سويا ويمسك خنجرا أو مسدسا ويقتل به الناس .. فهذا تصور من لا عقل له لأن العقل يقول وأين هذا الشيطان لم يظهر فيقتلنا وانتهى زمان البشر من عهد آدم ؟!!

- بل من يتصور ذلك التصور هو جاهلا بقرآنه وهذا غالب الظن .. لأنه لو كان عارفا بقرانه ما كان يعتقد بذلك التصور السابق .. ومن ذلك معرفته بقوله تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ...) إبراهيم:22.

=======================

 

#- رابعا: هل يمكن للشيطان أن يتسلط على النبي في ظاهر جسده بالأمراض والأوجاع والتشوهات ؟

- أجاز بعض العلماء أن الشيطان يمكن أن يتسلط على جسد النبي بأمراض واوجاع وتشوهات فيه .. وهذا محال عقلا وشرعا .. حتى لو افترضنا أنه مثل الإصابة بفايروس . أو كمن يخبط شخص بعصا ويهرب .. أو ما شابه ذلك ..

 

- لكن هذا كلام باطل ولا يصح .. ليه ؟

1- لأن لو افترضنا أن الشيطان له قدرة بالتسلط على جسد النبي (ويقصدون أي نبي) .. فحسب معتقدهم يسمح للملحدين أن يقولوا: إذا كان حال النبي يمكن أن يتسلط عليه شيطان على ظاهر جسده فيضره .. فمن باب أولي يجوز له التسلط على جسد زوجاته وهم أضعف منه .. ولنطلق الخيال لما يمكن أن يحدث ..!!

 

- أرأيتم هذا المعتقد الحقير في حق النبي إلى أين ممكن أن يذهب بنا .. وكيف يمكن ان يكون وسيلة لسب النبي وزوجاته ؟!!

 

- بل أن هذا معتقد من أحقر ما يمكن أن يتم تصوره في حق أي إنسان وليس نبي رسول ..!!

- أريت يا مؤمن إلى أي مدى وصل تعظيم قدرات الشيطان في نفوس بعض المشايخ الموصوفين بأنهم علماء ؟

- فماذا سيفعل الشيطان بباقي المؤمنين يا من تدعون العلم ؟!!

 

- اللهم إني بريء من هذا المعتقد في حق النبي صلى الله عليه وسلم .. الذي قيل فيه أنه يمكن أن يتسلط الشيطان على جسد النبي بالضرر أو بالمرض.

 

2- ولو كان للشيطان القدرة بالتسلط على أجساد الأنبياء والتأثير فيه .. فهذا معناه أنه أصبح له سلطان على النبي بالتأثير عليه وقهره بقدرة منه .. وهذا مخالف ومعارض للقرآن .. فإذا كان أقصى قدرات له في سلطانه على الغاوين هو بالتضليل لهم .. فكيف تجعلون له سلطان بقهر الأنبياء والمرسلين فيمرضهم ؟!!

أقلا تعقلون أم على القلوب أقفال ..!!

 

3- ولا يخفى على مؤمن أن العلماء أصلا .. منعوا حدوث مرض منفر للنبي أو الرسول .. ولكن من عجائب وغرائب بعض من هؤلاء العلماء أنفسهم .. استباح أن يقول بإمكانية إصابة النبي صلى الله عليه وسلم بمرض في جسده من الشيطان ..!!

- فرفضوا حدوث مرض منفر للنبي .. واستباحوا أن يقولوا بتمكين الشيطان من النبي بمرض يحدثه فيه ..!!

- وكأن المشكلة عند هؤلاء البعض هي أن يكون المرض منفر .. وليست المشكلة عندهم في استعلاء الشيطان على النبي فيقهره بالمرض ويشمت فيه ..!! فهذه ليست مشكلة بالنسبة لهم ..!!!

- حقا: رحم الله العقلاء من العلماء والذين في قلوبهم وقار للنبي صلى الله عليه وسلم .. ولغيره من الأنبياء .. فلم يظنوا في أنبياء الله هذه الظنون ..!!

 

4- ومن غرائب بعض العلماء .. يدافع عن النبي بأنه لا يمكن أن يؤثر فيه وسواس الشيطان .. ولكن طاوعه قلبه أن يقول بأن الشيطان يمكن أن يؤثر في جسد النبي فيمرضه ويوجعه ولكن في جسده فقط .. !!

- يعني لا يؤثر الشيطان في النبي بوسوسته .. ولكن يؤثر في النبي بإمراضه ؟!!

- بقى ده كلام ناس عاقلة ؟!!

- حقا: رحم الله العقلاء من العلماء والذين في قلوبهم وقار للنبي صلى الله عليه وسلم.

 

 ====================

 

#- خامسا: هل يمكن للشيطان أن يتسلط على أي نبي في جسمه بالضرر بدليل قول النبي محمد (اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ - وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا) ؟

 

#- من أغلط ما تجده على فتاوى الإنترنت أو غير ذلك في بعض كتب العقيدة ذات الطابع المذهبي .. أن تجد منهم من يذكر ما معناه: أن دليل تسليط الشيطان على جسد النبي بالضرر .. هو ما جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِي أَهْلَهُ (أي يجامع أهله) قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا) صحيح البخاري.

 

- فظن صاحب الفتوى مهما كان وصفه أو مذهبه .. أن هذا الحديث فيه دلالة على إمكانية أن الشيطان يمكن أن يضر النبي في بدنه ..!! ويخبرك بمنتهى البساطة أن تسليط الشيطان بالمرض على الأنبياء هو جائز وممكن بدلالة هذا الحديث السابق ..!!

 

#- ولكني أقول (خالد صاحب الرسالة):

1- أين هذا الضرر البدني على النبي بموجب هذا الحديث ..؟!! وهل هذا الشيخ يظن بخياله المريض أن الشيطان يمكن أن يأتي النبي وهو يجامع أهله ويصيبه في بدنه سواء هو أو حتى أي إنسان يقيم علاقة حلال ترضي الله ؟!!

 

2- فلو كان هذا ظنه .. فهذا قول بهتان على النبي وفي تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم .. حتى يستبيح لنفسه أن يأخذ من كلام النبي إمكانية ضرر الشيطان للنبي في بدنه .. في حين النبي لم يقل بذلك في الحديث .. !!

 

3- هذا الفهم الخاطيء والمغلوط لحديث النبي .. ليس طعنا في النبي فقط بل طعنا في كل ما يمكن تصوره في العلاقة مع الله .. إذ أنه بهذه المنطق أفسد حياة المؤمنين بالكامل في كل ما هو حلال .. لأنه بمنطقه الفاسد قد ساوى بذلك الفعل الحلال وهو العلاقة الشرعية بالفعل الحرام وهو الزنا .. فجعل العلاقة الشرعية فيها إمكانية تسليط من الشيطان بالمرض والضرر على بدن الشخص وهو يجامع حلاله.

 

4- ومن مصائب الإستدلال بهذا الحديث في إثبات أن النبي يمكن أن يصيبه الشيطان في بدنه .. هو أنهم بذلك يكون أثبتوا بإمكانية أن الشيطان ممكن يضر النبي وزوجاته اثناء علاقتهم .. فإن ما يمكن حدوثه للنبي أكيد من باب أولى يمكن حدوث لزوجاته كما سبق وذكرنا ..!!

 

- فإذا كان هذا فعل الشيطان بتدمير بنيان الإنسان وإذلاله لقيامه بالعلاقة الحلال .. فهذا سلطان بتمكين .. وهذا مخالف للقرآن .. بل وفيه تعظيم لقدرات الشيطان في نفوس المؤمنين بالباطل .. إذ نسب للشيطان ما ليس له من فعله مع البشر عموما وليس المؤمنين فحسب ..!!

 

5- بل والمصيبة الأكبر تجد البعض .. لتأكيد تفسيره المغلوط للحديث السابق ذكره الذي عظم فيه قدرات الشيطان بإمكانية ضرره بجسد النبي .. يستدل برواية مكذوبة باطلة وينسبها للنبي مثل رواية: (إذا جامع الرجل أهله ولم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع معه فذلك قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ}) ذكره الطبري في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): وهو ليس حديث نبوي أصلا .. ومن تعمد نسبة هذا الحديث للنبي عمدا (وليس جهلا) فهو حينئذ يكون قد تعمد الكذب على النبي لأن النبي لم يقل بهذا الحديث .. بل هو قول منسوب للتابعي مجاهد بن جبر .. وهو أيضا كلام مكذوب على مجاهد بن جبر ..

 

- وتحقيق سند الرواية أو الأثر المنسوب لمجاهد بالكذب عليه: فيه شيخ الطبري (محمد بن عمارة بن صبيح) وهو مجهول الحال ..، وفيه (سهل بن عامر البجلي) وهو متهم بالكذب وافتعال أي اختراع الأحاديث من دماغه .. قال ابن حجر في لسان الميزان: كذبه أبو حاتم..، وَقال البُخاري: منكر الحديث. انتهى..، ولفظ أبي حاتم فيما نقله ابنه: ضعيف الحديث روى لنا أحاديث بواطيل أدركته بالكوفة كان يفتعل الحديث. (لسان الميزان ترمة رقم 3707)..، وفيه (يحيى بن يعلى الأسلمي) وهو ضعيف الحديث مضطرب فيه ويغلط في الأسانيد .. وقال عنه يحيى بن مَعِين: ليس بشيء..، وقال البُخارِي: مضطرب الحديث..، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، ليس بالقوي ..، وقال عن البزار يغلط في الأسانيد .. (راجع تهذيب الكمال ترجمة رقم6951 - وتهذيب التهذيب ج11 ص304) ..

 

#- والحمد لله .. أنهم لم يذكروا أن دليل تسليط الشيطان على جسم النبي هو قوله: (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) الإسراء:64 .. ، فيكونوا بهذا الإستدلال قد جعلوا من الشيطان شريكا للنبي فجعلوا من النبي لص سارق وأولاده أولاد زنا ..!!

- فما أكثر الأغبياء في زماننا ..!!

 

#- ملاحظات على الحديث السابق:

أ- قول النبي بالتوجيه بهذا الدعاء .. حتى لا يصيبهم الشيطان بوسواس لهم بفعل أمور منكرة كجماع امرأته في الدبر أو ضرب امرأته أو غير ذلك .. وبالنسبة لتجنيب الشيطان للجنين فيكون الدعاء في ذلك له تحصينا إن قدر الله بحدوث تكوين جنين .. فيكون بركة هذا الدعاء فيه مزيد عناية وبركة للجنين من وسوسة الشيطان أكثر من الذي لم يدعو الله بهذا الدعاء.

 

ب- والمقصد بعدم الإضرار (أبدا) .. هو قد يكون متعلق به بعد ولادته فلا يفزعه مثلا بخيالات يصورها في عقله أو يكثر في نفسه الكلام حتى يبكي ويصرخ باستمرار .. ويكون لفظ (أبدا) المقصد به تعظيم شأن الطفل ببركة هذا الدعاء خلال هذه المرحلة .. وقد يكون مقصد النبي بلفظ (أبدا) هو أن تظل بركة هذا الدعاء ممتدة مع المولود حتى نهاية حياته فلا يتسلط عليه الشيطان بالوسوسة أكثر من غيره أبدا حتى مماته وذلك في حال صلاح حاله مع ربه .. وليس المقصد بلفظ (أبدا) هو خلوده في الحياة وإنما هو مجاز يقصد به طول المدة.

 

ج- عدم الإضرار الأبدي في الحديث .. كما قلنا هو مجرد إشارة بكرامة تحدث للمولود ببركة هذا الدعاء فترة طويلة .. أما في حال فساد حال البالغ العاقل مع ربه .. فلا بركة لهذا الدعاء فيه .. وإلا كان ابن نوح نجا من الكفر .. وأكيد كان نوح يلتزم بذكر ربه في كل أحواله حتى مع زوجته .. ولكن ابن نوح لما اختار الكفر سقطت بركة دعاء نوح بمنع تجنيب الشيطان له .. بل وسقطت بركة دعاء نوح ليه في حياته فلم يستطع أن يجعله مؤمنا .. لأنه أصر في نفسه على الكفر واستكبر عن سماع كلام أبيه .. والله أعلم.

 

#- خلاصة القول فيما يتعلق بحال الشيطان مع الأنبياء:

1- الشيطان لا يتسلط على الأنبياء بوسوسة تؤثر فيهم فينقادوا له.. وإنما قد يوسوس لهم دون أن يستجيبوا له.

 

2- ولا يتسلط على أموالهم فيهلكها بنفسه .. ولكن محتمل من خلال الوسوسة لآخرين ليفسدوها.

 

3- ولا يتسلط على أولادهم إلا بقدر ما هو مقدر لهم من الوسوسة إليهم .. كأبناء يعقوب حينما ظلموا أخيهم يوسف فحرموه من أبيه وألقوه في ظلمة البئر..، كابن نوح الذي محتمل كان سببا في تثبيته على كفره ..، ولكن الشيطان لا يقتل ولا يذبح ولا ينتقم .. وما شابه ذلك من الخرافات .. إلا في حالة واحدة فقط .. بالسحر .. وهذا ليس فعل شيطان في الأصل من ذاته .. لا .. وإنما فعل إنسان بتوكيل شيطان ليقوم بتنفيذ ذلك .. وليس الشيطان من نفسه يستطيع أن يفعل ذلك .. فافهم..!!

 

4- ولا يتسلط على بدن الأنبياء فيقهرهم بمرض لأنه لا سلطة له على الأنبياء بالقهر لهم.

 

5- ولا يتسلط على الأنبياء بضررهم في حال جماعهم لزوجاتهم .. وهذا من أغلط بل ومن أحقر ما قرأت ..!!

- إذ أنهم بهذا المنطق جعلوا إمكانية للشيطان أن يضر زوجات النبي في أبدانهم أيضا بما لا يتخيله العقل .. وإنما يتخيله فقط خيال شخص مريض بتعظيم قدرات الشيطان كالذي قال بهذا الكلام في حق النبي وبالتالي في زوجاته وإن لم يصرح بذلك ..!!

- فأين توقير أصحاب هذه المعتقدات للنبي وأهل بيته ؟!!

 

- اللهم إني بريء من معتقد .. أن الشيطان يمكن أن يتمكن من النبي فيؤثر فيه .. والنبي بريء من ذلك .. وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يتسلط الشيطان عليه فيتمكن من نفسه في ظاهره أو باطنه .. أو أي نبي أو رسول عليهم السلام جميعا.

 

- هذا معتقدي .. والله أعلم.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .