ج16: قصة النبي أيوب عليه السلام - ما الذي يدل عليه قوله تعالى لأيوب (فاستجبنا له - فكشفنا - ما به من ضر) - ما المقصود من قوله تعالى: (وآتيناه أهله ومثلهم معهم).

    بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة قصص من كتب التفاسير

قصة النبي أيوب عليه السلام

بين الحقيقة القرآنية وخرافات في بعض الكتب التفسيرية

- مع كشف العيوب في روايات قيلت عن النبي أيوب -

- ومقارنة بين أيوب القرآن وأيوب التوراة -

- مع توضيح حقيقة (مسني الشيطان بنصب وعذاب)-

(الفصل السادس عشر)

#- فهرس:

:: الفصل السادس عشر :: عن قصة أيوب عليه السلام .. ج3/ عن مسائل في آيات قصة أيوب عليه السلام في القرآن ::

1- س30: ما الذي يدل عليه قوله تعالى لأيوب (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ - فَكَشَفْنَا - مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) ؟

2- س31: ما المقصود من قوله تعالى: (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) ؟

#- أولا: ما جاء من الأحاديث في جزئية (أهله ومثلهم معهم).

#- ثانيا: حقيقة قرآنية عن أولاد أيوب.

#- ثالثا: بعضا من كلام العلماء في جزئية (أهله ومثلهم معه).

#- رابعا: مجمل كلام العلماء حول مفهوم وهب الله أهل أيوب ومثلهم معهم.

#- خامسا: عن رأي خاص بي (خالد صاحب الرسالة).

*******************

:: الفصل السادس عشر ::

=================

..:: س30: ما الذي يدل عليه قوله تعالى لأيوب: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ - فَكَشَفْنَا - مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) ؟ ::..

 

- قال تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) الأنبياء:84.

 

1- قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله (المتوفى: 606هـ):

- أما قوله تعالى: (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) فإنه يدل على أنه دعا ربه .. لكن هذا الدعاء:

أ- قد يجوز أن يكون واقعا منه على سبيل التعريض .. كما يقال إن رأيت أو أردت أو أحببت فافعل كذا.

ب- ويجوز أن يكون على سبيل التصريح.

- وإن كان الأليق بالأدب وبدلالة الآية .. هو الأول. (مفاتيح الغيب ج22 ص176- مع التصرف بوضح تنظيم للكلام في سياق (أ، ب)).

 

2- قال الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى: 1393هـ):

أ- والسين والتاء للمبالغة في الإجابة .. أي استجبنا دعوته العرضية بإثر كلامه .. وكشفنا ما به من ضر .. إشارة إلى سرعة كشف الضر عنه .. والتعقيب في كل شيء بحسبه .. وهو ما تقتضيه العادة في البرء وحصول الرزق وولادة الأولاد. (التحرير والتنوير ج17 ص127).

 

ب- والكشف: مستعمل في الإزالة السريعة. شبهت إزالة الأمراض والأضرار المتمكنة التي يعتاد أنها لا تزول إلا بطول بإزالة الغطاء عن الشيء في السرعة. (التحرير والتنوير ج17 ص127).

 

ج- والموصول في قوله تعالى: (مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) مقصود منه الإبهام. ثم تفسيره ب (مِنَ) البيانية لقصد تهويل ذلك الضر لكثرة أنواعه بحيث يطول عدها.

- ومثله قوله تعالى: (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) النحل:53 ..، إشارة إلى تكثيرها..، ألا ترى إلى مقابلته ضدها بقوله تعالى: (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) النحل:53 ..، لإفادة أنهم يهرعون إلى الله في أقل ضر وينسون شكره على عظيم النعم. (التحرير والتنوير ج17 ص127).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- دل قوله (فاستجبنا) على أن نداء أيوب كان حقيقته أنه دعاء ..

- ودل حرف (الفاء) من قوله (فَاسْتَجَبْنا) على التعقيب المباشر لدعاء أيوب بسرعة الإجابة لدعاءه.

 

- وكذلك دل حرف الفاء من قوله (فَكَشَفْنَا) على سرعة إزالة الضر عنه بتهيئة الأسباب التي تجعله سليما معافى .. بأن أوجد له الأسباب التي يستشفى بها وهو الإغتسال بالماء البارد والشرب منه ليسترد صحته وعافيته .. وأوجد له أسباب الغني بإرسال جراد من الذهب إليه ليبدأ به استرداد حياته العملية.

 

**********************

 

..:: س31: ما مفهوم عطاء الله لأيوب في قوله: (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) ؟ ::..

 

- اختلف العلماء في فهم المقصد من إتيان الأهل ومثلهم لأيوب عليه السلام.

- إذ قال تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) الأنبياء:84.

 

- وقال تعالى: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) ص:42-43.

 

#- أولا: ما جاء من الأحاديث في جزئية (أهله ومثلهم معهم):

- جاء في (حديث ضعيف جدا) .. عن سهل بن عثمان أبو مالك عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: (سألت نبي الله (صلى الله عليه وسلم) عن قوله (ووهبنا له أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) .. قال يا ابن عباس: رد الله امرأته إليه وزاد في شأنها حتى ولدت له ستة وعشرين ذكرا.

- وأهبط الله إليه ملكا فقال يا أيوب: إن الله يقرئك السلام لصبرك على البلاء فاخرج إلى أندرك (أي جراب أو مخزن صغير يضع فيه القمح) فبعث الله سحابة حمراء فهبط عليه بجراد الذهب (أي بذهب يشبه الجراد في شكله أو في كميته) .. والمَلَك قائم معه .. فكانت الجرادة تذهب فيتبعها .. حتى يردها في أندره .. قال الملك: يا أيوب أما تشبع من الداخل حتى تتبع الخارج.

- فقال إن هذه بركة من بركات ربي وليس أشبع منها) رواه بن عساكر في تاريخ دمشق .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث ضعيف جدا .. فيه (جويبر – جابر بن سعيد) وهو متروك الحديث .. ، والحديث فيه انقطاع لأن الضحاك بن مزاحم لم يقابل عبد الله بن عباس ..!!

 

#- إذن: لا يوجد حديث نبوي صحيح يوضح جزئية (أهله ومثلهم معه) ..

 

#- ثانيا: حقيقة قرآنية عن أولاد أيوب ..

1- القرآن والحديث النبوي الصحيح .. لم يذكرا أي شيء عن حال أولاد أيوب وقت ابتلاء أيوب .. لاهم ماتوا لمرض أصابهم .. ولا هم قتلهم الشيطان .. ولا هم رحلوا عنه .. ولا هم بقوا بجواره ..

 

- فحال أبناء أيوب مع أيوب أثناء الإبتلاء .. نحن لا نعلمه .. ولكن ما نفهمه من نصوص القرآن هو أن الله بعد أن أجاب دعاء أيوب ورد إليه صحته وعافيته .. قد زاده فضلا برحمة منه وهو أن آتاه وهبا من رحمته أهله ومثلهم معهم .. دون أن نعرف ماذا كان حال أهله أثناء مرضه .. وقبل أن يقوم من ابتلاءه.

 

2- مقصد العلماء بالأهل هم أبناء أيوب .. مهما كان عددهم سواء سبعة أو ثلاثة عشر أو أكثر أو أقل .. ولكن عموما لا يوجد دليل على العدد ..

- ومقصد (مثلهم معهم) هو مضاعفة عدد هؤلاء الأبناء حين عودتهم لأيوب .. والبعض قال هو مضاعفة في عدد الذرية أي الأحفاد آتاه أولاده وذرية منهم بعدد أولاده .. والله أعلم ..

 

#- ثالثا: بعضا من كلام العلماء في جزئية (أهله ومثلهم معه).

1- قال الإمام أبو الحسن الماوردي رحمه الله (المتوفى: 450هـ):

- قوله عز وجل: (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم) ..

#- وفيما أصابهم "أي أصاب أهله" ثلاثة أقاويل:

- أحدها: أنهم كانوا مرضى فشفاهم الله.

- الثاني: أنهم غابوا عنه فردهم الله عليه , وهذا القولان حكاهما ابن بحر. "وهو أبو بكر أحمد بن سندي بن الحسن بن بحر الحداد الجداري من أهل بغداد (ت 359 هـ)".

-  الثالث: وهو ما عليه الجمهور أنهم كانوا قد ماتوا.

#- فعلى هذا في هبتهم له ومثلهم معهم خمسة أقاويل:

- أحدها: أن الله تعالى رد عليه أهله وولده ومواشيه بأعيانهم .. لأنه تعالى أماتهم قبل آجالهم ابتلاء ووهب له من أولادهم مثلهم. قاله الحسن.

- الثاني: أن الله سبحانه ردهم عليه بأعيانهم ووهب له مثلهم من غيرهم. قاله ابن عباس.

- الثالث: أنه رد عليه ثوابهم في الجنة ووهب له مثلهم في الدنيا. قاله السدي.

- الرابع: أنه رد عليه أهله في الجنة، وأصاب امرأته فجاءته بمثلهم في الدنيا.

- الخامس: أنه لم يرد عليه منهم بعد موتهم أحداً وكانوا ثلاثة عشرا ابناً فوهب الله تعالى له من زوجته التي هي أم من مات مثلهم فولدت ستة وعشرين ابناً. قاله الضحاك.

- (رحمة منا) أي نعمة منا. (وذكرَى لأولي الألباب) أي عبرة لذوي العقول. (تفسير النكت والعيون ج5 ص-103 - وما بين علامات التنصيص " ..." من شرحي على بعض كلام الماوردي).

 

2- قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله (المتوفى: 606هـ):

- قال تعالى: (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ) فقد قيل هم عين أهله وزيادة مثلهم .. وقيل غيرهم مثلهم، والأول أولى لأنه هو الظاهر فلا يجوز العدول عنه من غير ضرورة ..

- ثم اختلفوا فقال بعضهم: معناه أزلنا عنهم السقم فعادوا أصحاء.

- وقال بعضهم: بل حضروا عنده بعد أن غابوا عنه واجتمعوا بعد أن تفرقوا.

- وقال بعضهم: بل تمكن منهم وتمكنوا منه فيما يتصل بالعشرة وبالخدمة.

- أما قوله: (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) فالأقرب أنه تعالى متعه بصحته وبماله وقواه حتى كثر نسله وصار أهله ضعف ما كان وأضعاف ذلك.

- وقال الحسن رحمه الله: المراد بهبة الأهل أنه تعالى أحياهم بعد أن هلكوا.

- ثم قال: (رَحْمَةً مِنَّا) أي إنما فعلنا كل هذه الأفعال على سبيل الفضل والرحمة، لا على سبيل اللزوم.

- ثم قال: (وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) يعني سلطنا البلاء عليه أولا فصبر ثم أزلنا عنه البلاء وأوصلناه إلى الآلاء والنعماء، تنبيها لأولي الألباب على أن من صبر ظفر. (تفسير مفاتيح الغيب ج26 ص399).

 

3- قال الإمام الألوسي رحمه الله (المتوفى: 1270هـ):

- وفي البحر "أي جاء في تفسير البحر المحيط": الجمهور على أنه تعالى أحيا له من مات من أهله .. وعافى المرضى .. وجمع عليه من تشتت منهم.

- وقيل (وإليه أميل "أي وهذا ما يوافق عليه الإمام الألوسي"): وهبَه من كان حيا منهم وعافاه من الأسقام وأرغد لهم العيش فتناسلوا حتى بلغ عددهم من مضى (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) فكان له ضعف ما كان .. والظاهر أن هذه الهبة كانت في الدنيا .. وزعم بعض أن هذا وعد وتكون تلك الهبة في الآخرة رَحْمَةً مِنَّا أي لرحمة عظيمة عليه من قبلنا. (تفسير روح المعاني ج12 ص198 - وقمت بوضع شرح لبعض الألفاظ بين علامات التنصيص "...").

 

4- قال الإمام المراغي رحمه الله (المتوفى: 1371هـ):

- (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) أي وجمعنا له أهله بعد التفرّق والتشتّت .. وأكثرنا نسلهم حتى صاروا ضعف ما كانوا عليه .. رحمة منا وتذكرة لأولى العقول السليمة .. لنعتبر ونعلم أن رحمة الله قريب من المحسنين .. وأن مع العسر يسرا .. وأن الإنسان لا يقنط من الفرج بعد الشدة:

- عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر

- ولم يذكر لنا الكتاب الكريم .. ماذا كانت حاله في ماله .. فنمسك عن الكلام كما أمسك. (تفسير المراغي ج23 ص126).

 

5- قال الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى : 1393هـ):

- (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) ص:43.

- اقتصار أيوب في دعائه على التعريض .. بإزالة النصب والعذاب .. يشعر بأنه لم يصب بغير الضر في بدنه.

 

- ويحتمل: أن يكون قد أصابه تلف المال وهلاك العيال كما جاء في كتاب «أيوب» من كتب اليهود فيكون اقتصاره على النصب والعذاب في دعائه لأن في هلاك الأهل والمال نصبا وعذابا للنفس.

- ولم يتقدم في هذه الآية ولا في آية سورة الأنبياء .. أن أيوب رزىء أهله (أي أصيب فيهم بمصيبة) .. فيجوز أن يكون معنى (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم) أن الله أبقى له أهله .. فلم يصب فيهم بما يكره وزاده بنين وحفدة.

- ويكون فعل (وهبنا) .. مستعملا في حقيقته ومجازه.

- ويؤيد هذا المحمل .. وقوع كلمة (معهم) عقب كلمة (ومثلهم) فإن (مع) تشعر بأن الموهوب لاحق بأهله ومزيد فيهم .. فليس في الآية تقدير مضاف في قوله: (ووهبنا له أهله).

- وليس في الأخبار الصحيحة ما يخالف هذا .. إلا أقوالا عن المفسرين ناشئة عن أفهام مختلفة.

- ويحتمل: أن يكون مما أصابه أنه هلك وأولاده في مدة ضره كما جاء في كتاب «أيوب» من كتب اليهود وأقوال بعض السلف من المفسرين .. فيتعين تقدير مضاف .. أي وهبنا له عوض أهله .. وألفاظ الآية تنبو عن هذا الوجه الثاني. (التحرير والتنوير ج23 ص271).

 

- معنى قول الإمام بن عاشور: (فليس في الآية تقدير مضاف في قوله: (ووهبنا له أهله)): أي لا يوجد تقدير نفهمه من الآيات يجعل المقصد هو "ووهبنا له عوضا عن أهله".. لأن الآيات في قصة أيوب لا تحتمل هذا الإحتمال .. وإنما ممكن أن يتم احتماله فقط .. لو صدقنا رواية سفر أيوب في التوراة .. وكيف يتم تصديق ذلك ؟!!

- ومعنى قوله (تنبو عن هذا الوجه الثاني): أي ألفاظ الآية بعيدة جدا عن هذا الوجه الثاني في التفسير الذي ذكره .. أي أن ألفاظ الآية لا تحتمل هذا الوجه الثاني وهو إحياء أبناءه له لأنه لا دليل أصلا على كونهم ماتوا فأحياهم الله .. !!

 

6- قال الإمام الشعراوي رحمه الله (المتوفى: 1418هـ):

- قوله تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ .. ) ص:43 .. يبدو أن بعض أهله بعدوا عنه لما أصابه المرض .. فلما شفاه الله وعاد إلى حال السلامة عادوا إليه (وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ ..) ص:43 .. يعني: وهبنا له مثل أهله أي: من الذرية والأتباع (رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ) ص:43. (تفسير الشعراوي ج21 ص12955).

 

7- قال الدكتور محمد محمود حجازي رحمه الله (المتوفى:1392 هـ):

- ووهبنا له أهله وأضعافهم معه .. ولعل المراد بالأهل أتباعه في الدين .. ووهبنا له ذلك رحمة منا وعظة وذكرى لأولى الألباب الذين يعلمون أن الأمر بيد الله .. وأنه يكشف السوء ويجيب المضطر، ويدافع عن عباده المؤمنين الصابرين. (التفسير الواضح ج3 ص243).

8- قال الدكتور الشيخ محمد الهلال في تفسيره الثري:

- (وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ): عاد إليه أهله بعد شفائه من المرض بعد أن ابتعدوا عنه .. أي: الذّرية .. وعادوا بزيادة الضعف من بنين وحفدة (الذّرية: الآباء والأبناء). (تفسير القرآن الثري الجامع في الإعجاز البياني واللغوي والعلمي ج8 ص41-42).

 

#- هذ الرأي أضاف جزئية أن المراد (ومثلهم معهم) هم البنين والأحفاد وهو رأي تفسيري قد ذكره البعض .. وإن كان غالب كلام العلماء أن المقصد هو زيادة عدد الأبناء .. لأن المقصد عند العلماء بالأهل هم الأولاد..

 

#- رابعا: مجمل كلام العلماء حول مفهوم وهب الله أهل أيوب ومثلهم معهم.

#- لو لاحظت سابقا أن العلماء اختلفوا في المقصد من إيتاء ووهب الله لأيوب أهله ومثلهم معه .. من خلال قوله (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) الأنبياء:84 ، وقوله (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) ص:43 ..

- وألخص لك أقوالهم بما لم يتم ذكره سابقا .. وأيضا فيه شرح لبعض ما قيل من كلامهم ..

 

#- إليك مجمل أقوال العلماء:

1- بعض العلماء صدقوا رواية توراة اليهود من سفر أيوب ..

- وهي الرواية التي نقلوها من روايات وهب بن منبه والحسن البصري وغيرهم .. فجعلوا أبناء أيوب قد قتلهم الشيطان ..!!

- وبالتالي يكون الإتيان بأبناء أيوب .. هو أن الله أحياهم له مرة أخرى وأعادهم إليه .. ثم أجابوا عن أن المنتهى أجله لا يعود للحياة .. فقالوا أن أجلهم لم ينتهي بل كان لازال لهم أجل فأحياهم الله له ليستكملوا آجالهم .. مثل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه !!

- وعموما اعتمادهم في تفسيرهم هو اعتماد كلي وجزئي على سفر أيوب المذكور في كتاب توراة اليهود المحرفة .. والذي نقل منه وهب بن منبه والحسن البصري وغيرهم ..!!

- وشيء غريب جدا .. أن يعتمد بعض مفسري القرآن على شيء في تفسير القرآن يعلمون أنه محرف بنص القرآن .. ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم حدثوا من توراة بني إسرائيل ولا حرج ..!!!!

 

- إلا أن أسخف الأقوال التي قيلت في أولاد أيوب هو أن الشيطان قتلهم ..!!

- وسبق مناقشة هذه المسألة في الفصل الخامس من هذه الرسالة ولكن نقول هنا فقط: أين الدليل على أن الشيطان قتل أولاد أيوب من خلال آيات القرآن ؟!!

- لا يوجد دليل .. إلا مجرد نقلكم من توراة اليهود قد نقلها بعض التابعين واعتقدتم فيها ..!!

- إذن: الذي يستدل بالباطل .. فهو باطل.

 

2- والبعض قال أن أبناءه قد ماتوا نتيجة مرض أصابهم.

- ولا دليل على ذلك القول.. إلا مجرد ظن بعض العلماء.

- وهو رأي محتمل عقلا .. ولكن لا دليل عليه.

 

3- والبعض قال أن الله وهب أيوب أولاده في الجنة ومثلهم معهم في الدنيا ..

- وهذا قول غريب .. إذ ما هي الكرامة في أن يهبه أولاده في الآخرة إذا كان سيقابلهم في الآخرة .. فضلا عن أن الآية تتكلم عن عطاء الدنيا .. وبيان فضل الله عليه وفي ذلك ..!!

 

4- والبعض قال أن أبناء أيوب قد نفروا من مرضه وابتعدوا عنه لأن مرضه معدي ومنفر ..

- وهذا رأي أخذ بكلام توراة اليهود من حيث أن مرض أيوب هو مرض معدي .. إلا أنهم قالوا ببقاء أبناء أيوب ولم يموتوا ولكنهم رحلوا عنه بسبب مرضه المعدي .. وهذا معتقد لا يصح .. لأن أمراض الأنبياء لا تكون منفرة .. ولو كانت كذلك فلماذا بقيت زوجته معه .. ولو كان أبناءه ابتعدوا عنه في أزمة مرضه .. فهم جاحدون له ما كان فاعله معهم طوال حياتهم .. فلماذا يعود الله بهم إليه وهذا كان حالهم بل كان من الأولى عقابهم وحرمانهم من بركة أيوب كنبي ومما أعطاه الله لأيوب من فضله ..!!

 

5- والبعض قال أن أبناء أيوب قد رحلوا عنه لمرضه ظنا منهم أن مرضه معدي فابتعدوا عنه .. ولكن لم يكن مرضه معدي ..

- وهذا الرأي أضاف للرأي السابق كلمة (ظنا منهم) .. يعني هم افتكروا أن مرضه معدي ولكن الحقيقة ليست كذلك .. وكيف يظنوا ذلك وكان معه أمهم ولو كان المرض معدي لكان أصاب أمهم ..!! ولكن أيضا يظل الإشكال على هذا الرأي كما هو في جحود الأبناء .. إذ لو افترضنا أن المحرك الأبناء لهجر أيوب هو مرضه الذين ظنوا أنه معدي .. فقد جحدوا أمهم وأبيهم وليس أبيهم فقط ؟!! بل وكان من الأولى بهم البقاء بالسكن بجواره والسؤال عنه ولو من بعيد .. وليس هجره وجحوده وكأنه لم يكن يوما أباهم ..!!

 

6- والبعض قال أن الله أبقى له أهله رحمة منه ليكونوا بجواره مثلما أبقى زوجته بجواره كرامة منه وفضلا إذ لم يصيبهم مكروها .. بل وزاده كرامة بعد الإبتلاء بزيادة في عدد الأبناء .. فكان الإيتاء والوهب ببقاء أهله بجواره دون حدوث مكروه لهم .. ثم بعد استعادة صحته أتاه مثلهم معهم .. (وهذا رأي انفرد به الإمام الطاهر بن عاشور – وسيأتي قوله بعد قليل) ولم أجد أحد غيره قال بذلك.

- وهذا الرأي بالرغم من وجاهته .. إلا أنني أظن بأن فيه نظر .. لأن الله قد ذكر إتيان الأهل ووهبهم لأيوب بعد استجابة دعاءه .. من باب مزيد من الفضل على أيوب .. وهذا معناه أنهم لم يكونوا بجواره .. والله أعلم.

 

7- والبعض قال أن أبناء أيوب قد ماتوا بلا رجعة .. وإنما الوهب متعلق بنسل جديد من أهله وضاعفهم له ..  

- وهذا رأي جيد .. ولكن ما الدليل على أنهم ماتوا ؟!!

- فضلا عن أن لفظ قوله (أهله) يدل على أنهم أهله الذين يعرفهم .. إلا لو قيل أن المقصد (مثل أهله) في العدد وهو محتمل ولكن لا قرينة عليه .. ويظل السؤال الذي هو: من قال أن أهله ماتوا إلا في رواية توراة اليهود فقط التي نقلها بعض التابعين كالحسن البصري ووهب بن منبه ؟!!

 

8- والبعض قال أن أبناء أيوب كانوا قد رحلوا عنه ليس لمرضه .. وإنما بحثا عن الكسب الحلال وقد كثرت عليهم مصاعب في الحياة فاضطروا للرحيل طلبا للكسب.

- وذلك لضياع كل ما كان معهم مع الذي ضاع من أيوب .. فكان رحيلهم هو سعيا في الأرض .. فلما أكرم الله أيوب بالمال مرة أخرى فكان ذلك سببا في عودة أبناءه إليه إذ استطاع بذلك أن يردهم إليه مرة أخرى ليديروا أمواله ..

- وهذا رأي محتمل وجيد .. وأظن أنه رأي خالي من العيوب السابقة .. والله أعلم.

 

9- والبعض قال أن أهله محتمل يكون المقصد منهم هم الأتباع وليس الأولاد ..

- وهذا رأي محتمل وجيد .. ولا يعيبه شيء .. والله أعلم.

 

10- والبعض وقف مع ألفاظ القرآن ولم يبحث في سبب قول القرآن (آتيناه - ووهبنا) ..

- واكتفوا في تفسيرهم بأن يقولوا: أن هناك سببا ما قد جعلهم في حالة بعد عن أيوب .. ثم أرجعهم الله إليه ووهب له رحمة منه عليه .. دون الخوض في أي تفاصيل أخرى لأن القرآن لم يذكر سوى ذلك .. وحكمة القرآن المقصد منها هو أن الله جمع أيوب بأهله مرة أخرى .. وليس المقصد هو معرفة تفاصيل ما حدث لأهله أثناء بتلاءه وإلا كان القرآن أخبرنا بذلك.

- وهذا من أكرم الأقوال وأبسطها وأريحها .. وأكثرها التزاما بالتفسير .. وأيضا الرأيين السابقين كذلك وإن كان رأي الطاهر بن عاشور فيه نظر.

 

#- ولو لخصنا ما سبق .. يكن ذلك في أمرين:

- الأول: لو كان المقصد بالأهل هم الأولاد .. فلا علم لنا يقينا بما حدث مع أولاد أيوب أثناء ابتلاء أيوب .. ولكن ما نفهمه أنه حدث لهم شيئا أبعدهم عنه .. ثم جمعه الله بهم مرة أخرى وزاده الله ضعف أولاده رحمة منه وكرامة.

 

- الثاني: ولو كان المقصد بالأهل هم الأتباع .. فهذا معناه أن الله جمع عليه أهل الإيمان مرة أخرى وضاعفهم له وأكثر له في أتباعه .. 

 

#- خامسا: عن رأي خاص بي (خالد صاحب الرسالة):

- إذا كان القرآن لم يذكر شيء عن حال أولاد أيوب وقت ابتلاء أيوب .. فكذلك القرآن لم يذكر شيء عن زوجة أيوب وقت ابتلاء أيوب ..!!

- والذي أظنه أن لفظ (الأهل) يشمل الزوجة والأولاد .. ولعلهم جميعا قد رحلوا عنه لسبب لا نعلمه .. فقد يكون رحيل الأولاد للكسب كما قال البعض .. وقد يكون رحيل الزوجة لأن أيوب حلف عليها أن لا تجالسه لأنه رأى منها أنها شكاية الحال وطلبت منه أن يدعو ربه لرفع هذا البلاء عنه .. إلا أنه انفعل عليها خوفا من أن يكون شكاية الحال سببا لدخول الشيطان لنفسها فتكون سببا لزيادة همومه نتيجة قلة حيلته .. فحلف عليها أن ترحل عنه إلى أولادها .. وأقسم عليها أن لا تعود مرة أخرى ولو عادت ليضربها ضربا موجعا.

- وبذلك يكون الجميع قد رحل عنه .. وقد يكون رحيل زوجته عنه في آخر أوقات ابتلاءه أي قبل شفاءه بفترة قليلة جدا قد تكون يوم أو يومين أو أكثر قليلا ولكن ليس من بداية ابتلاءه وإلا فمن كان يقوم على قضاء حوائجه في محنته ؟!

- ولعل قوله (مثلهم معهم): أي مثلهم في العطاء فكانت له زوجة أخرى وأبناء آخرين بعدد من كانوا معه سابقا.

- والله أعلم.  

 

#- وخلاصة القول:

1- أن الرأي الراجح والأسلم والذي يطمئن له القلب .. والذي أميل إليه:

- أن الله رد أهل أيوب إلى أيوب فضلا منه .. وكان وهب الله أهله لأيوب لأنه أراد أن يوضح لنا أن أيوب لم يطلب هذا في دعاءه وإنما كان محض فضل من ربه زيادة على مطلب أيوب بالشفاء .. إذ أن رد إيتاء الأهل لم يكن من جملة دعاء أيوب ..

- ولكن ماذا كان حدث لأولاد أيوب أثناء ابتلاء أيوب .. فهذا ما لا علم لنا به .. والتوقف فيه أحسن من الخوض فيه بلا دليل .. ولو كان يفيد في شيء لكان أوضحه الله لنا ..

 

2- وعن ظني - والله أعلم- أن لفظ الأهل يشمل الأولاد والزوجة .. ولعل الله أكرمه بزوجة أخرى صالحة وكان منها أبناء آخرين بعدد ما كان من زوجته الأولى .. فيكون (مثلهم معهم) أي مثلهم في العطاء فكانت له زوجة أخرى وأبناء آخرين بعدد من كانوا معه سابقا .. والله أعلم.   

 

- ونناقش في الفصل القادم مسألة لماذا قال الله مرة لفظ (آتيناه) ومرة لفظ (ووهبنا) .. وغير ذلك من فروق بين الآيات التي تكررت بألفاظ مختلفة .. والله ولي التوفيق.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .