ج8: عن قوله تعالى (عبس وتولى) - لماذا البعض ينزعج من كون قوله (عبس وتولى) المقصود به النبي - كيف يمكن تصور فعل النبي مع الأعمى وهو القدوة الحسنة ورحمة للعالمين - لماذا عاتب الله نبيه طالما كان يؤدي مهمته في محاولة هداية الكافر للإيمان - هل القرآن عاتب النبي لأنه فضَّل الشخص الغني صاحب المكانة على مقابلة الفقير الأعمى.

    بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة قصص من كتب التفاسير

رسالة

الرأي الأولى في تفسير قوله تعالى (عبس وتولى)

وبيان حقيقة قصة النبي مع الصحابي ابن مكتوم

 (الفصل الثامن)

#- فهرس:

:: الفصل الثامن :: عن مسائل تتعلق عن فعل النبي مع الاعمى في حين هو الرحمة للعالمين والقدوة الحسنة – وعن انزعاج البعض من تفسير سورةعبس بانها تتعلق بالنبي – وعن خرافة أن سبب مجالسة النبي للكافر لكونه غني وامتناعه عن الأعمى لكونه فقير ::

1- س22: لماذا البعض ينزعج من كون قوله (عبس وتولى) المقصود به النبي ؟

2- س23: كيف يمكن تصور فعل النبي مع الأعمى وهو القدوة الحسنة ؟

3- س24: كيف يمكن تصور فعل النبي مع الأعمى وهو الرحمة للعالمين ؟

4- س25: لماذا عاتب الله نبيه طالما كان يؤدي مهمته في محاولة هداية الكافر للإيمان ؟

5- س26: هل القرآن عاتب النبي لأنه فضَّل الشخص الغني صاحب المكانة على مقابلة الفقير الأعمى ؟

*****************

:: الفصل الثامن ::

*****************

..:: س22: لماذا البعض ينزعج من كون قوله (عبس وتولى) المقصود به النبي ؟ ::..

 

- بعض الطيبين ينزعج كلما يسمع أن المقصود من قوله (عبس وتولى) هو النبي صلى الله عليه وسلم .. ولا أدري لماذا ينزعج إلا إن كان يظن أن هذا فيه عيبا للنبي ؟!!

 

#- وهذا خطأ .. ليه بقولك كده ؟

1- لأن علماء المسلمين في كل زمان ومكان لم ينزعجوا من كون هذه الآية المقصود بها النبي .. لأن النبي ليس معصوم من الخطأ في اختياراته واجتهاداته في الحياة لأنه ليس فيها وحي مسبق إليه بما كان يمكن فعله في هذا الموقف .. وإنما معصوم من الخطأ في الوحي القرآني وما هو مرتبط بالتلقين من الله وأيضا معصوم من مخالفة أمر لله .. ولذلك الأمور واضحة أمامهم .. بأنه ليس في في قوله (عبس وتولى) ما يعيب النبي في شيء .. لا من قريب ولا من بعيد ..

- بل وكيف يعيبه شيء وهو خلقه القرآن .. أي في حالة ازدياد دائم من كمالات الاخلاق بتوجيه الله له في القرآن ..

 

2- هذه الآية هي دليل قطعي على أن القرآن هو من عند الله وليس من عند النبي .. لأنه لا أحد يكتب شيئا ويدين فيه نفسه .. فكانت هذه الآية دلالة على أن القرآن موحي به إلى النبي.

   

3- هذه الآية تكشف أمانة النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ الوحي كما هو أنزل إليه .. ولو كان يريد أن يخفي شيئا من الوحي لكان أخفى العتاب الذي في هذه الآية وغيرها من الآيات.

 

- والله أعلم.

*********************

 

..:: س23: كيف يمكن تصور فعل النبي مع الأعمى وهو القدوة الحسنة ؟ ::..

 

- من المسائل الغريبة التي وجدتها هو قول بعضهم: إذا كان النبي هو الأسوة الحسنة .. فهل من الأسوة الحسنة أن يفعل ما فعله مع الأعمى ؟

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- لعل لديك مشكلة في الفهم سببت لك لخبطة .. ليه ؟

- لأنك لم تفهم وتعقل أن كون النبي هو الأسوة الحسنة .. فهذا من حيث كونه رسول الله .. يعني من حيث كونه وحي معصوم وخلق موصول بتوجيه القرآن .. ولذلك قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) الأحزاب:21.

 

- أي لقد كان محققا بكل يقين تمكين القدوة الحسنة في رسول الله .. وذلك لتحققه هو بالقرآن .. إذ أنه كان خلقه القرآن .. وكأنه قرآنا يمشى على الأرض.. فمن التزم بالنبي قدوة له فهو في ذلك قد اكتسب من أخلاق القرآن.

 

- وسبق وذكرنا أن توجيهات القرآن للنبي ما هي إلا مزيد من كمالات الأخلاق القرآنية للنبي صلى الله عليه وسلم لفعل الأصوب دائما .. لأنه القدوة الحسنة للمؤمنين .. الذين قدوتهم هو من أخلاقه القرآن .. فانتبه لما ذكرته لك جيدا.

 

2- ومن ناحية أخرى: هل من وجهة نظرك في مفهوم الأسوة الحسنة .. أن تترك الكافر على كفرة وتتجاهله دون أن ترشده لما فيه خيرا له ؟!!

- فهل هذه هي الأسوة الحسنة من وجهة نظرك ؟!! أم ستقول: بل هذه أنانية نفسية لمن يفعل ذلك ؟!!

- أكيد ستتهمه بالأنانية .. لأنه أكتفى بالإيمان في نفسه وترك غيره يغرق في أوحال كفره.

- إذن: لما القرآن يقول أن النبي قدوة حسنة .. فهو كذلك ولا تعارض لفعله مع مفهوم القدوة الحسنة التي يستمدها من القرآن ..

 

- والسؤال الآن: لماذا تعترض بمزاجك أنت وما تتصوره في أوهامك الخاصة وتريد أن تجعل منه دين .. لأنك ترى ذلك فقط ؟ في حين أن مفاهيمك مغلوطة ومخالفة للعقل .. وتزعم بعد ذلك أنك تتكلم بالعقل ؟!!

- بقى ده كلام ؟!!

- عجبا ..!!

********************

 

..:: س24: كيف يمكن تصور فعل النبي مع الأعمى وهو الرحمة للعالمين ؟ ::..

 

#- من المسائل الغريبة التي وجدتها هو قول بعضهم: كيف يكون النبي رحمة للعالمين إذ قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء:107 .. ثم نظن بأنه عبس في وجه الأعمى وتولى عنه ؟!!

- ملحوظة: "هذا السؤال في أصله شبهة قيلت فيها اتهام للنبي .. ولكني قمت بصياغتها في صورة سؤال" ..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- أولا: النبي لم يعبس في وجه الأعمى .. ولم يتولى عنه بأن أعطاه ظهره ورحل عنه كما تصور من له خيال مريض ..

 

- ثانيا: أما عن الفلسفة العقلية التي تكلم بها هؤلاء .. فهؤلاء يطبخون الرحمة حسب الهوى وليس لهم معقولية في ذلك .. بل ولم يتأدبوا مع قرآنهم .. لأنهم يريدون نبيا بمواصفات خاصة لهم .. ليه ؟

أ- لأنه على مذهب هؤلاء .. كيف يصح أن يكون النبي رحمة للعالمين .. ويقاتل الكفار ؟!! .. وبذلك يكونوا قد هدموا آيات الجهاد في القرآن .. لأنها تخالف رحمتهم المزعومة التي طبخوها في أوهامهم وافترضوها بلا أي عقلانية أو اعتبار لأصول القرآن.

 

ب- ولأنه لو كانوا فعلا نظروا لمفهوم الرحمة للعالمين .. لما كانوا تعاموا عن حقيقة كون النبي رحمة للعالمين من حيث أنه هداية للخلق والذين حقيقتهم أنهم كانوا كافرين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ..!!

-  فعجبا لهؤلاء .. افترضوا أن من الرحمة هو العناية بالأعمى .. وتعاموا عن أن من الرحمة أيضا هو العناية بهداية الكافر ؟!!

 

- وكأن فعل النبي مع الكافر فيه مخالفة لرحيميته صلى الله عليه وسلم .. وفعله مع الأعمى هو فقط الموافق لرحيميته صلى الله عليه وسلم ..!!

 

- أليس هو رحمة للعالمين .. للأعمى والمبصر والكافر والمؤمن والإنس والجن ؟!!

- فما لكم كيف تحكمون ؟!!

- عجبا .. لنفوس تصنع رحمات يقسمونها كما يترائى لهم وهواهم الخاص ..!!

 

3- وكأن مفهوم الرحمة عند هؤلاء .. هو أن النبي يكن مطبطباتي على الخلق ..!!

 

- لا .. فالرحمة ليس مفهومها الإحسان بالطبطبة (جبر الخاطر) فقط .. وإنما الرحمة مفهومها هو الإحسان .. فيكن من مفاهيمها هو الإرشاد والتوجيه للحق .. بل ومقاتلة الباطل لو تطلب الأمر ورد الحقوق والمظالم ونشر العدل بين الخلق وهذا يتطلب أحيانا شدة وقهر في مواجهة الظلم والعدوان.. وهذا من تمام الرحمة للخلق حينما ترحم إنسان برفع الظلم عنه أو تصرف عنه ظالم.

 

#- إذن: النبي صلى الله عليه وسلم لم يخالف رحيميته قدر عقلة أصبع حينما جالس الكافر يدعوه للإيمان .. ولكن من الواضح أن البعض له علم مغلوط في عقله حول مفهوم الرحيمية النبوية ..!!

- وأنصحك أن تطلب من الله .. أن يرزقك حب النبي بمراد الله .. وليس كما أنت تزينه في نفسك.

 

- والله أعلم.

 

*********************

..:: س25: لماذا عاتب الله نبيه طالما كان يؤدي مهمته في محاولة هداية الكافر للإيمان ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قد تسأل سؤال فتقول بعد ما قرأته في السؤال السابق: طالما كان النبي يؤدي مهمته فلماذا عاتبه الله ؟!!

 

- الله عاتب نبيه .. ليس لأنه كان جالسا مع الكافر يحاول هدايته .. وإلا كان نزل في ذلك قرآن قبل مجيء الأعمى أصلا ليعاتبه على مجالسة هذا الكافر .. سواء كان أتاه الأعمى أم لم يؤتيه ..!!

 

- وإنما العتاب مع النبي هو في فعل الأولى .. فإذا كان النبي برحمته كان يجد أن من الأولى المحاولة مع الكافر لينقذه من كفره ومن جهنم .. إلا أن الله أرشده بأن هذا كان له موقف خاص وحالة خاصة تتطلب أن يستخدم رحيميته مع المؤمن الذي أتاه .. وذلك لأنه لم يكن مؤمن صحيح البدن وإنما مؤمن مبتلى بالعمى وأتى بمشقة إليه .. فكان العتاب هنا بسبب عذر المؤمن الذي أتاه .. فكان الأولى هو جبر خاطر الأعمى بسبب ما هو فيه من ابتلاء.

 

- والله أعلم.  

 

*******************

 

..:: س26: هل القرآن عاتب النبي لأنه فضَّل الشخص الغني صاحب المكانة على مقابلة الفقير الأعمى ؟ ::..

 

- قال تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ) عبس:1-11.

 

- من غرائب ما أجده في كتب أهل التفسير .. أن يكتب فيقول: أن الآيات فيها الحث والتوجيه على الترحيب بالفقراء والإقبال عليهم في مجالس العلم وقضاء حوائجهم وعدم إيثار الأغنياء عليهم ..!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- هذه المسألة معترض عليها ومردودة لكونها كلام فارغ .. ليه ؟

1- لأن الله عاتب النبي صلى الله عليه وسلم على الأعمى وليس على الأعمى الفقير ..!!

- وكأنه لو كان من أتى للنبي أعمى ولكن غني .. ما كان عاتبه القرآن ..!!

- بقى ده كلام يا ناس ..!!

 

2- ولأن الله عاتب النبي عن التصدي أو التعرض والإقبال على من استغنى عن الإيمان بالقرآن لاكتفاءه بأصنامه .. !! فما علاقة اهتمام النبي بكونه غنيا ؟!!

 

- وقوله (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى) ليس المقصود منه الغنى .. وإلا كان قال عن الأعمى "وأما من جاءك فقيرا" .. وهذا لم يحدث .. وإنما قال عن الأعمى: (وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى) .. فالمقارنة هنا مقارنه أحوال وليست مقارنة أموال .. مقارنة قلوب وليس مقارنة قوالب .. فأبصر يا مؤمن كلام الله حتى تغنم .. حتى لا تنسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يفعله عن جهلا منك.

 

#- ورحم الله الإمام الرازي (المتوفى:606 هـ) إذ قال عند قوله (من استغنى):

- قال عطاء: يريد عن الإيمان ..

- وقال الكلبي: استغنى عن الله..

- وقال بعضهم: استغنى .. أثرى ,, وهو فاسد ها هنا .. لأن إقبال النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن لثروتهم ومالهم حتى يقال له أما من أثرى فأنت تقبل عليه ..!! (تفسير مفاتيح الغيب ج31 ص54).

 

#- ورحم الله الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى : 1393هـ) إذ قال:

- فالمراد ب (من استغنى) هنا: من عد نفسه غنيا عن هديك بأن أعرض عن قبوله ..

- ثم قال رحمه الله: وليس المراد ب من استغنى من استغنى بالمال إذ ليس المقام في إيثار صاحب مال على فقير. (التحرير والتنوير ج30 ص107).

 

#- خلاصة القول:

- ما علاقة الغنى والفقر بالقصة .. حتى يقال أن النبي فضل الجلوس مع الغني وترك الفقير ؟!! 

- أم أن هذا كلام غير محترم ؟!!

- أكيد كلام غير محترم .. ولا علاقة له بآيات القرآن ولا بالقصة التي قيلت عن أول آيات سورة عبس ..!!

- بل هذه خرافة .. أن يظن مؤمن في حق النبي بأن سبب مجالسته للكافر هو لكونه غني، وامتناعه عن الأعمى لكونه فقير ..!!

- والله أعلم.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .