ج10: عن قوله تعالى (عبس وتولى) - هل يعتبر النبي قد أذنب في معاملته للأعمى ولذلك عاتبه الله - لماذا يعاتب الله نبيه على أمر اجتهد فيه - لماذا ترك الله نبيه في معاملة الأعمى لاجتهاده ولم يرشده لفعل الأصوب - لماذا فعل النبي ما هو خلاف الأصوب في معاملة الأعمى طالما هو نبي معصوم وما ينطق عن الهوى.

      بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة قصص من كتب التفاسير

رسالة

الرأي الأولى في تفسير قوله تعالى (عبس وتولى)

وبيان حقيقة قصة النبي مع الصحابي ابن مكتوم

 (الفصل العاشر)

#- فهرس:

:: الفصل العاشر :: عن مسائل تتعلق عن أن عتاب الله لنبيه في مسألة الأعمى هل هي نتيجة ذنب فعله أم نتيجة فعله خلاف الاولى ::

1- س30: هل يعتبر النبي قد أذنب في معاملته للأعمى ولذلك عاتبه الله ؟  

2- س31: لماذا يعاتب الله نبيه على أمر اجتهد فيه طالما لم يكن معه وحي مسبق يؤيده ؟

3- س32: لماذا ترك الله نبيه في معاملة الأعمى لاجتهاده ولم يرشده لفعل الأصوب بدلا من أن يعاتبه ؟

4- س33: لماذا فعل النبي ما هو خلاف الأصوب في معاملة الأعمى طالما هو نبي معصوم وما ينطق عن الهوى وإنما بوحي يوحى ؟

*****************

:: الفصل العاشر ::

*****************

..:: س30: هل يعتبر النبي قد أذنب في معاملته للأعمى ولذلك عاتبه الله  ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- بعض الناس يحلو لها أن تثبت من خلال آيات العتاب أن النبي قد أذنب .. وهذا قد تجده في بعض كتب القديمة التراثية .. وقد أعاد بعض أهل زماننا نشر هذا الفكر مرة اخرى .. والذي أراه هو إرادتهم رؤية النبي بأنه مذنب .. وكأنهم يريدون أن يساووا أنفسهم به صلى الله عليه وسلم ..!!

 

#- ولكن إحباطا لمعتقدهم الباطل في النبي صلى الله عليه وسلم .. فنقول لهم ببساطة:

1- لماذا الله قد اكتفى بعتاب نبيه طالما كان قد عصى ربه ؟!!

- وطالما لم يظهر من آيات العتاب في القرآن أن النبي قد عصى ربه .. فالذي يقول أن آيات العتاب دليل على عصيان النبي .. فهو شخص قد افترى على الله بما لم يقل به .. وافترى على النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يفعله.

 

2- الذنب يكون ذنبا .. حينما يكون هناك نهي من الله وخالفه النبي عمدا ففعل ما كان مأمورا بالنهي عنه ..

- فهل كان يوجد أمر بالنهي عن مجالسة الكفار ودعوتهم إلى الله ؟

- أكيد .. لا ..

- يبقى ليه البعض يفتري ويقول: أن عتاب الله للنبي في مسألة الأعمى إنما هو عن ذنب فعله ؟!! 

 

3- قال تعالى: (كلا  .. إنها تذكرة): وقوله (كلا) فيه دلالة على أنه ليس له أن يفعل ذلك في المستقبل بالإلحاح على من ظهر من حاله الإستغناء بكفره عن الإيمان .. وأما الماضي فلم يتقدم النهي عن ذلك فيه فلا حرج على ما ظهر من النبي صلى الله عليه وسلم.

   

#- رحم الله القاضي عياض رحمه الله  (المتوفى: 544هـ) إذ قال:

- وأما قوله (عَبَسَ وَتَوَلَّى ..): الآيات فليس فيه إثبات ذنب له صلى الله عليه وسلم، بل إعلام الله أن ذلك المتصدى له ممن لا يتزكى .. وأن الصواب والأولى كان لو كُشِفَ لك حال الرجلين الرَّجُلَيْنِ- "لكان اختيارك هو" الإقبال على الأعمى.

- وفِعل النبي صلى الله عليه وسلم لما فعل، وتصديه لذاك الكافر .. كان طاعة لله، وتبليغا عنه، واستئلافا له، كما شرعه الله له .. لا معصية ومخالفة له.. (الشفا بتعريف حقوق المصطفى ج2 ص366 – وما بين علامات التنصيص " ..." هي إضافة مني لتوضيح مقصد الإمام القاضي عياض).

 

#- خلاصة القول:

1- إن كان العتاب للنبي قد حدث .. فهو على أمر اجتهادي منه قد حدث على خلاف الأولى .. ولم يكن فيه أمر إلهي مسبق فخالفه حتى يقال أن النبي أذنب.

 

2- لماذا تنسب للنبي ما لم يقل به الله .. وتفتري به على الله ونبيه ؟!!  

 

3- أما إن كان لديك شهوة تشفِّي في النبي بأنك تريد رؤيته مذنب .. فمت بغيطك.. إذ قد تبين افتراءك على الله ورسوله.

 

**********************

 

..:: س31: لماذا يعاتب الله نبيه على أمر اجتهد فيه طالما لم يكن معه وحي مسبق يؤيده ؟ ::..

 

#- قد يخطر ببالك فتقول: إذا لم يكن عتاب الله لنبيه عن ذنب فعله .. فعلام العتاب على شيء قد اجتهد فيه النبي فأخطأ فيه ولم يكن معه وحي يؤيده في تلك المسألة ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- الله عاتب نبيه لأسباب منها:

1- لأنه أراد للنبي ولأمته .. فعل ما هو أكمل وأفضل وأصوب في اتخاذ القرار .. ويترتب عليه نتيجة فيها كل الخير لهم.

 

2- أراد الله أن يظهر لأمة النبي صلى الله عليه وسلم .. أن النبي لا يكون مؤيدا بالوحي في كل أوقات الحياة .. وإنما هو فقط مؤيد وقتما يؤيده الله بذلك .. فانتبه يا مؤمن لذلك حتى تستطيع التمييز بين ما هو ينطق به النبي عن نفسه .. وبين ما ينطق به النبي من حيث كونه رسول لا ينطق عن الهوى لأنه وحي يوحى.  

 

3- أراد الله أن يكشف لنا عن أن الإجتهاد الذي يترتب عليه خطأ .. فهو لا حرج عليه .. إذ قال تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الأحزاب:5.

 

- والله أعلم.

 

*********************

..:: س32: لماذا ترك الله نبيه في معاملة الأعمى لاجتهاده ولم يرشده لفعل الأصوب بدلا من أن يعاتبه ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قد يخطر على البال سؤال فتقول: لماذا ترك الله نبيه ليفعل الصائب ولم يرشده من البداية لفعل الأصوب بدلا من أن يتركه يفعل ما فعل ثم يعاتبه ؟

 

#- قلت لك: لعل ذلك لسببين:

- الأول: لأن الله أراد لنا أن نفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم بالرغم من كونه خليل الله وحبيبه بل وسيد الخلق في مكانته عند ربه .. إلا أنه لازال محكوم ببشريته وله اجتهاداته في الحياة والمنفصلة عن الوحي .. فلا تنسى ذلك يا مؤمن حتى تستطيع التمييز بين كون النبي معصوم بالوحي وبين كونه مجتهد في الحياة أو مجتهد في الدين بما ليس له فيه وحي مسبق.

 

- الثاني: تشريع أمر الإجتهاد لمن يأت بعده صلى الله عليه وسلم .. بأنه لا ذنب عليه إن فعل خلاف الأولى بعد أن يكون قد اجتهد بأخذ أسباب الإجتهاد وله حجة في ذلك.

 

- والله أعلم.

 

********************

..:: س33: لماذا فعل النبي ما هو خلاف الأصوب في معاملة الأعمى طالما هو نبي معصوم وما ينطق عن الهوى وإنما بوحي يوحى ؟ ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

 

- لعلك لم تفهم المقصد من كونه صلى الله عليه وسلم معصوم بالوحي .. !!

 

#- فعصمة النبي بالوحي يقصد بها أمرين من حيث التلقين والتبيين:

- الأول: عصمة من الخطأ في استقبال أو تلقي الوحي:

- وهي أنه لا يستحيل وجود خطأ يحدث في تلقي النبي الوحي من الله .. وسبب الإستحالة هو قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر:9.

 

- والذكر هنا هو القرآن .. ووصف الله القرآن "بكونه ذكر" .. لكونه يستحيل نسيان شيء من آياته ويستحيل تغيير شيء من ألفاظه .. في كل أزمنة الوجود إلى يوم القيامة .. (هذا التفسير من اجتهادي – والله أعلم).

 

الثاني: عصمة النبي من الكذب في نشر الوحي للناس:

- فلا يمكن للنبي أن يكذب في نشر شيء من الوحي بين الناس .. أو يقول شيء مخالف أي معارض لما أمره به الوحي.

 

- وسبب الإستحالة في خطأ النبي في بيان الوحي للناس .. هو قوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) الحاقة:44-48 ..،   

 

#- بناء على ما سبق:

- لا يوجد عصمة من خطأ النبي أو فعل خلاف الأولى وذلك فيما ليس فيه وحي مسبق إليه .. لأنه يتعامل حينئذ مع الأمور بقدراته البشرية وليس بقدراته الرسولية من خلال الوحي ..

 

- إذن: قوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم:3-4 ..، فهذا مرتبط من حيث الوحي المرسل إليه من ربه وهو القرآن أو غيره مثل المعارف الغيبية التي كان الوحي يعرفها له .. ولذلك قال بعد ذلك (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) النجم:5 .. أي أن المسألة ليست مسألة اجتهاد هنا .. وإنما مسألة تلقين من الله إلى النبي من خلال جبرسل عليه السلام "على افتراض أن شديد القوى هو جبريل".

 

#- وبعد ما سبق .. يمكنك أن تفهم الآن أخي الحبيب:

1- أنك حينما تجد أي مسألة يظهر فيها أن النبي قد أخطأ أمور الحياة .. مثل مسألة تلقيح النخل .. ومثل مسألة المكان المناسب في موقعة أحد .. فهذه أمور حياتية قد أخطأ النبي فيها باجتهاده .. وكذلك لو رأيت آيات العتاب في القرآن والتي بعض منها كان فيها حكم يتعلق بمسألة دينية كأسرى بدر وكان حكم النبي فيها خلاف الأولى.

 - فتفهم حينئذ مباشرة .. أن هذه الأمور لم يكن فيها وحي مسبق من الله إلى النبي في تلك المسائل .. ولذلك اجتهد فيها النبي صلى الله عليه وسلم من حيث قدراته البشرية ظنا منه أنها صواب.

 

2- ولكن ما فيه وحي معصوم .. هو فقط ما كان مؤيد بالوحي وتلقين مباشر من الله .. ولذلك هذا ليس فيه آيات عتاب لفعل النبي .. ولا حتى فيه خطأ في أمور دنيوية .. وإلا كان النبي مخالف للوحي .. وحاشاه صلى الله عليه وسلم .. وقد سبق وأوضحنا استحالة ذلك بالآيات ..

 

- والله أعلم.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .