بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة قصص من كتب التفاسير
رسالة
الرأي الأولى في تفسير قوله تعالى (عبس وتولى)
وبيان حقيقة قصة النبي مع الصحابي ابن مكتوم
(الفصل الحادي عشر)
#- فهرس:
:: الفصل الحادي عشر :: عن مسائل قد
ذكرها العلماء في وجه عتاب القرآن للنبي -
أو رفض قصة النبي مع الأعمى ::
1- س34: ما هي
المسائل التي ذكرها الإمام الفخر الرازي عمن قال في آية (عبس وتولى) أن المستحق للعتاب هو الأعمى وليس النبي ؟
2- س35: لماذا أنكر الإمام الشريف المرتضى من علماء
الشيعة أن يكون قوله (عبس وتولى) المقصود به النبي ؟
3- س36: ما هي أسباب إنكار الإمام الطبطبائي من علماء الشيعة أن يكون قوله (عبس وتولى) يتعلق بالنبي ؟
*****************
:: الفصل الحادي
عشر ::
*****************
..:: س34: ما هي المسائل التي ذكرها الإمام الفخر الرازي من أهل
السنة عمن قال في آية (عبس وتولى) أن المستحق للعتاب هو الأعمى وليس النبي ؟ ::..
- قصة النبي مع عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة
الفهري .. أو عبد الله بن أم مكتوم
.. لم تمر مرور الكرام عند بعض العلماء .. وتركوا عليها أسئلة كانت محل استفهام
لبعض النقاط على هذه القصة .. طالما أن المقصد من قوله تعالى (عبس وتولى) هو قصة النبي مع عبد الله بن أم مكتوم الذي
كان أعمى .. ومن هذه المسائل هو ما ذكره الإمام الفخر الرازي رحمه الله .. الذي
ذكر أسئلة قد تكون من تصوره الخاص ممن قد يخطر على باله هذه المسائل أو لعله نقلها
عن البعض .. وملخص هذه المسائل قائم على أن الأولى هو عتاب الأعمى لإسائته الأدب
مع النبي .. فلماذا عاتب الله نبيه ؟!!
- ثم أجاب
الإمام الرازي عن هذه المسائل أيضا .. كما هي عادته في تفسيره
.. يذكر المسائل أولا ثم يجيب عليها ثانيا .. وإليك ما ذكره
الإمام رحمه الله.
#- قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله (المتوفى: 606هـ) بعد
أن ذكر القصة التي ذكرها المفسرون فقال:
- وفي الموضع سؤالات:
1- الأول: أن ابن أم مكتوم كان يستحق التأديب
والزجر .. فكيف عاتب الله رسوله على أن أدَّب ابن أم مكتوم وزجره ؟
- وإنما قلنا: إنه كان يستحق التأديب لوجوه:
- أحدها: أنه وإن كان لفقد بصره لا يرى
القوم .. لكنه لصحة سمعه كان يسمع مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم أولئك الكفار
.. وكان يسمع أصواتهم أيضا .. وكان يعرف بواسطة استماع تلك الكلمات شدة اهتمام
النبي صلى الله عليه وسلم بشأنهم .. فكان إقدامه على قطع كلام النبي صلى الله عليه
وسلم وإلقاء غرض نفسه في البين قبل تمام غرض النبي إيذاء للنبي عليه الصلاة
والسلام .. وذلك معصية عظيمة.
- وثانيها: أن الأهم مقدم على المهم .. وهو
كان قد أسلم وتعلم .. ما كان يحتاج إليه من أمر الدين .. أما أولئك الكفار فما
كانوا قد أسلموا .. وهو إسلامهم سببا لإسلام جمع عظيم .. فإلقاء ابن أم مكتوم ذلك
الكلام في البين "أي بين كلام النبي مع الكفار" كالسبب في قطع ذلك الخير
العظيم .. لغرض قليل "أي وهو استعلامه عن شيء في الدين" .. وذلك محرم.
- وثالثها: أنه تعالى قال: (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ
وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) الحجرات:4 ..، فنهاهم عن مجرد
النداء إلا في الوقت .. فههنا هذا النداء الذي صار كالصارف للكفار عن قبول الإيمان
وكالقاطع على الرسول أعظم مهماته .. أولى أن يكون ذنبا ومعصية .. فثبت بهذا أن
الذي فعله ابن أم مكتوم كان ذنبا ومعصية .. وأن الذي فعله الرسول كان هو الواجب.
#- وعند هذا يتوجه السؤال: في أنه كيف عاتبه الله تعالى على ذلك الفعل
؟.
2- السؤال الثاني: أنه تعالى لما عاتبه على مجرد
أنه عبس في وجهه .. كان تعظيما عظيما من الله سبحانه لابن أم مكتوم .. وإذا كان
كذلك .. فكيف يليق بمثل هذا التعظيم أن يذكره باسم الأعمى مع أن ذكر الإنسان بهذا
الوصف يقتضي تحقير شأنه جدا ؟
3- السؤال الثالث: الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام
كان مأذونا في أن يعامل أصحابه على حسب ما يراه مصلحة .. وأنه عليه الصلاة والسلام
كثيرا ما كان يؤدب أصحابه ويزجرهم عن أشياء .. وكيف لا يكون كذلك وهو عليه الصلاة
والسلام إنما بعث ليؤدبهم وليعلمهم محاسن الآداب .. وإذا كان كذلك كان ذلك التعبيس
داخلا في إذن الله تعالى إياه في تأديب أصحابه .. وإذا كان ذلك مأذونا فيه .. فكيف وقعت المعاتبة عليه؟
#- فهذا جملة ما يتعلق بهذا الموضع
من الإشكالات. (تفسير الفخر الرازي ج31
ص52-53 - وما بين علامات التنصيص وكذلك ترقيم المسائل ووضع علامات قبلها فهي من
وضع خالد صاحب الرسالة لسهولة قراءة وفهم كلام الإمام الرازي).
#- قال
الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعقيبا على المسائل التي ذكرها:
@-
والجواب عن السؤال الأول من وجهين الأول:
أ- أن الأمر وإن كان على ما ذكرتم
.. إلا أن ظاهر الواقعة يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء
وانكسار قلوب الفقراء .. فلهذا السبب حصلت المعاتبة .. ونظيره قوله تعالى: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ) الأنعام:52.
ب- والوجه الثاني: لعل هذا العتاب لم يقع على ما
صدر من الرسول عليه الصلاة والسلام من الفعل الظاهر .. بل على ما كان منه في قلبه
.. وهو أن قلبه عليه الصلاة والسلام كان قد مال إليهم بسبب قرابتهم وشرفهم وعلو
منصبهم .. وكان ينفر طبعه عن الأعمى بسبب عماه وعدم قرابته وقلة شرفه .. فلما وقع
التعبيس والتولي لهذه الداعية وقعت المعاتبة .. لا على التأديب .. بل على التأديب
لأجل هذه الداعية.
@- والجواب عن السؤال الثاني: أن ذكره بلفظ الأعمى ليس لتحقير
شأنه .. بل كأنه قيل: إنه بسبب عماه استحق مزيد الرفق والرأفة .. فكيف يليق بك يا
محمد أن تخصه بالغلظة.
@- والجواب عن السؤال الثالث: أنه كان مأذونا في تأديب أصحابه ..
لكن هاهنا لما أوهم تقديم الأغنياء على الفقراء .. وكان ذلك مما يوهم ترجيح الدنيا
على الدين .. فلهذا السبب جاءت هذه المعاتبة. (تفسير الفخر
الرازي ج31 ص53).
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على ما ذكره الإمام الرازي رحمه الله ..
- أولا: هذه الأسئلة لا محل لها أصلا حتى يستحق الإجابة عليها .. ليه ؟
1- لأن
الأعمى لم يسيء الأدب في شيء .. والقرآن لم يخبرنا بذلك
.. فأقصى ما فعله الأعمى هو طلب مقابلة النبي ومجالسته عسى أن يعلمه شيئا في دينه
فينتفع بذلك.
- والتبرير
بأن الأعمى كان يستحق التأديب لأنه
كان يسمع النبي ومن يجالسونه فيصر على المقاطعة .. فهذا وهم آخر ممن يظن ذلك .. إذ
قد افتراض أن الأعمى كان يجلس فعلا في المجلس ويقاطع النبي في ذلك .. مع أن هذا
شيء غير موجود في القصة أصلا ..!!
- ولفهم هذه
الجزئية بصورة أكبر .. يمكنك الرجوع إلى الفصل الرابع تحت عنوان: (س9: هل محتمل أن
يكون الأعمى جالس النبي مع الذي كان يكلمه ؟).
2- وكيف يكون الأعمى عاصيا ومذنبا في مناداته للنبي .. إذا كان هو ينادي
وبالتالي فهذا معناه أنه لم يكن يسمع النبي ومن يجالسه .. وإلا فلماذا ناداه إلا
لو كان بعيدا عنه ؟!!
- ثم أن قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ
وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) الحجرات:4 .. قد نزلت في المدينة
بعد الهجرة بتسع سنوات .. ولم تنزل في مكة حتى يتم الإستدلال بهذه الآية .. !!
3- أما عن كون النبي عبس في وجه الأعمى .. فهذا ما لا وجود له في الآيات ولا في القصة المقبولة .. وإنما يوجد ذلك في
روايات باطلة وتالفة السند جدا.
- ولفهم
هذه الجزئية بصورة أكبر .. يمكنك الرجوع إلى الفصل الثالث .. تحت عنوان: (س3: هل النبي معصوم
من ظهور العبوس على وجهه ؟) وتحت عنوان: (س4: هل النبي عبس في وجه الأعمى كما زعم البعض
؟).
4- أما عن
كون النبي مأذونا له في التأديب
والتوجيه لأمته .. فهذا ليس معناه أن يفعل ما هو خلاف الأولى بدليل أن القرآن
عاتبه في ذلك ..!!
@- وبالتالي فهذه الأسئلة التي أشار إليها الإمام
الرازي لا محل لها من أساسه ليتم كتابتها ..!!
- ثانيا: أما عن الإجابات التي ذكرها الإمام الفخر الرازي فهي عجيبة جدا ..
ليه ؟
- لأنه قام بتحويل المسألة على أن العتاب إنما كان
بسبب ميل النبي لمن لهم المكانة والشرف والغنى ..
- في حين أن الإمام الفخر الرازي هو نفسه قد أنكر ذلك رحمه الله إذ قال عند
قوله (من استغنى): "قال عطاء: يريد عن الإيمان ..، وقال
الكلبي: استغنى عن الله ..، وقال بعضهم: استغنى .. أثرى ,, وهو فاسد ها هنا .. لأن إقبال النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن لثروتهم ومالهم حتى يقال له أما من أثرى فأنت تقبل عليه
..!! (تفسير مفاتيح
الغيب ج31 ص54).
- ولفهم
هذه الجزئية بصورة أكبر .. يمكنك الرجوع إلى الفصل الثامن .. تحت عنوان: (س26: هل القرآن
عاتب النبي لأنه فضَّل الشخص الغني صاحب المكانة على مقابلة الفقير الأعمى ؟).
#- خلاصة القول:
- لا يوجد غرابة في عتاب الله
لنبيه .. والأعمى لم يكن يستحق التأديب ولا التأنيب
في شيء كما توهموا أصحاب هذه الأسئلة التي نقلها عنهم الرازي .. لأن القرآن لم يذكر
ذلك.
- ولعل سبب هذه اللخبطة كلها .. هو الروايات الفاسدة التي تم
دسها في كتب التفاسير .. وأحدثت نوعا من التخبط في تفسير العلماء ..
- والله اعلم.
**************************
..:: س35: لماذا أنكر الإمام الشريف المرتضى
من علماء الشيعة أن يكون قوله (عبس وتولى) المقصود به النبي ؟ ::..
- أحد علماء آل البيت في القرن الخامس الهجري
وهو محسوب من أئمة الشيعة .. قد أنكر أن يكون قوله (عبس
وتولى) خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم .. وإنما خاصة بغير النبي .. !!
- وسأذكر ما قاله رحمه الله .. ثم أترك تعقيبا على ما تكلم عنه .. من باب
تحقيق العلم لا أكثر .. ثم أذكر لك في ختام التعقيب على الإمام .. ما السبب أو
الدافع الذي جعله ينكر أن يكون قوله (عبس وتولى)
يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم.
- وإليك بيان ما
سبق:
#- قال الإمام السيد الشريف المرتضى رحمه الله "من علماء الشيعة"
(المتوفى:436 هـ):
- تنزيه سيدنا محمد عن المعاتبة في أمر الأعمى: (مسألة): فإن قيل: أليس قد عاتب الله تعالى
نبيه صلى الله عليه وآله في إعراضه عن ابن أم مكتوم لما جاءه وأقبل على غيره
بقوله: (عبس وتولى . أن جاءه الأعمى . وما يدريك لعله يزكى . أو يذكر
فتنفعه الذكرى) ..
وهذا أيسر
ما فيه أن يكون صغيرا.
#- (الجواب): قلنا: أما ظاهر الآية .. فغير دال على
توجهها إلى النبي صلى الله عليه وآله .. ولا فيها ما يدل على أنه خطاب له .. بل هي
خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه.
- وفيها ما يدل عند التأمل على أن المعني بها غير النبي صلى الله
عليه وآله .. لأنه وصفه بالعبوس .. وليس هذا من صفات النبي صلى الله عليه وآله في
قرآن ولا خبر مع الأعداء المنابذين .. فضلا عن المؤمنين المسترشدين.
- ثم وصفه بأنه يتصدى للاغنياء ويتلهى عن
الفقراء .. وهذا مما لا يوصف به نبينا عليه السلام من يعرفه .. فليس هذا مشابها مع
أخلاقه الواسعة وتحننه على قومه وتعطفه.
- وكيف يقول له: (وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) وهو صلى الله عليه وآله مبعوث
للدعاء والتنبيه .. وكيف لا يكون ذلك عليه .. وكأن هذا القول اغراء بترك الحرص على
ايمان قومه.
- وقد قيل أن هذه السورة نزلت في رجل من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله كان منه هذا الفعل المنعوت فيها ..
- ونحن وإن شككنا في عين من نزلت فيه .. فلا ينبغي أن نشك إلى أنها لم يعن
بها النبي .. وأي تنفير أبلغ من العبوس في وجوه المؤمنين .. والتلهي عنهم .. والإقبال
على الأغنياء الكافرين والتصدي لهم .. وقد نزه الله تعالى النبي صلى الله عليه
وآله عما هو دون هذا في التنفير بكثير.
(تنزيه الانبياء ص166).
أ- ملحوظة: الشريف المرتضى هو نسل آل البيت:
فهو أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الإمام موسى بن جعفر
الكاظم بن محمد بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب.
- أما من اتهمه بالكذب واتهمه بوضع كتاب نهج البلاغة المنسوب للإمام
علي بن أبي طالب .. فهذا كلام باطل .. ولا يصح
الخوض في أعراض الخلق بدون يقين خاصة وأن من عاصروه لم يقولوا بذلك ..!!
ب- ملحوظة أخرى: ما جاء في السؤال من قول: (وهذا أيسر ما فيه أن يكون صغيرا)
فالمقصد بكلمة (صغيرا) أي ذنبا صغيرا .. فيكون مفهوم السؤال هو أن العتاب لا يكون
عتاب إلا ولو كان ناتج من حدوث ذنب ولو صغير .. "وهذا ممنوع في المعتقد
الشيعي لأن العصمة تمنع حدوث الذنب من النبي حتى ولو صغيرا" .. وهذا ليس
معتقد عند الشيعة فقط وإنما عند كثير من أهل السنة وإن كان البعض أجاز حدوث
الصغائر ..!! "والمسألة لها تفصيل وليس هذا محله" ..
- ولكن تم في الفصل العاشر من هذه الرسالة مناقشة
سؤال مهم وهو: (س30: هل يعتبر النبي قد أذنب ولذلك عاتبه الله ؟ ) ..
فارجع إليه لو أردت.
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على ما ذكره الإمام المرتضى رحمه الله ..
- أعجبني كلام الإمام إذا قال: " أما ظاهر الآية .. فغير دال على
توجهها إلى النبي صلى الله عليه وآله .. ولا فيها ما يدل على أنه خطاب له .. بل هي
خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه".
- هذا كلام صحيح فعلا .. ولكن هل اتبع الإمام نفس المنطق في اعتراضه
على ان الآيات تتكلم عن النبي ؟!!
- تعالوا نشوف كده ..
-
أولا: أما عن وصف العبوس وأنه لا يليق هذا بالنبي بأن يعبس في
وجه الأعمى.
#- وأقول
تعقيبا على كلام الإمام:
- لا نختلف مع الإمام على أن هذا لا يليق
بفعل النبي .. لو كان المقصد بالعبوس هو العبوس في وجه الأعمى .. ولكن هنا نسأل:
أين قيل هذا في كلام الله أنه عبس في وجه الأعمى ؟!!
#-
ملحوظة: راجع ما ذكرته في مسألة العبوس في الفصل الثالث
.. تحت عنوان: (س3: هل النبي معصوم من ظهور العبوس على وجهه
؟) وتحت عنوان: (س4: هل النبي عبس في وجه الأعمى كما زعم البعض ؟).
-
ثانيا: أما عن ظنه بأن الموصوف بالعتاب هو أنه تصدى للغني
وتلهى عن الفقراء .. ولا يليق بالنبي ذلك ..
#- وأقول
تعقيبا على كلام الإمام:
- هنا أيضا لا نختلف مع الإمام بكل تأكيد ..، ولكن أين
ذلك في كلام الله ؟! فهل قال الله (الأعمى الفقير) .. أو قال (المستغني بماله) ؟!!
- لا .. لم يقل الله هذا ..
- إذن أين الدليل على أن النبي اهتم بالغني لغناه
وانشغل عن الفقير لفقره ؟!!
- لا يوجد دليل ..!!
#-
ملحوظة: راجع ما ذكرته فيمن تكلموا عن أن سبب عتاب
الله لنبيه هو اهتمام النبي بالغنى وتركه للفقر .. وذلك في الفصل الثامن .. تحت
عنوان: (س26: هل القرآن عاتب النبي لأنه فضَّل الشخص الغني صاحب المكانة على مقابلة
الفقير الأعمى ؟).
-
ثالثا: أما عن استغراب الإمام في قوله : وكيف يقول له (وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) وهو صلى الله عليه وآله مبعوث
للدعاء والتنبيه ؟ .. وكيف لا يكون ذلك عليه ..؟ وكأن هذا القول إغراء بترك الحرص
على ايمان قومه ..!!
#- وأقول
تعقيبا على كلام الإمام:
- أن هذا كلام غريب جدا من الإمام .. ليه ؟
1- إذ أن القرآن يتكلم عن المستغني بكفره عن الإيمان
بالقرآن .. ولا يتكلم عن الشخص الذي يعرض عليه النبي دعوته في عموم الحياة أو شخص
يبحث عن الإيمان الحق.
2- القرآن قال: (وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) .. ما وجه تحريض النبي في ترك مهمته
إذا كانت الآية تتحدث عن مستغني بكفره عن القرآن .. فلماذا يحاول النبي معه وقد
ظهر من حاله عدم رغبته للإيمان بالقرآن ..!!
- لأن التزكية بكلام الله هو يرفضها هذا المستغني
بكفره .. فما على النبي من حرج إن كان هذا المستغني بكفره لا يقبل هذه
التزكية القرآنية .. ولذلك قال الله جل شأنه لنبيه: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) البقرة:272 ..، فهل في هذا تحريض
للنبي على ترك دعوته للناس ؟!! أكيد .. لا ..
- فليس في ذلك ترك لدعوة أمته .. وليس في ذلك إغراء بترك الحرص على إيمان قومه .. بل
فيه إلزام النبي بفعل الأولى وهو ترك الجاحد المستغني عن القرآن بكفره لأنه ليس
عليه هداه .. ولا حرج على النبي إن لم يدعوه مرة أخرى
..
- رابعا: أما عن قول الإمام: "وقد قيل أن هذه السورة نزلت في رجل من أصحاب
رسول الله" ..
#- وأقول
تعقيبا على كلام الإمام:
1- في آي من آيات الله في سورة عبس يظهر هذا التصور بأن السورة نزلت في رجل
من أصحاب رسول الله ؟!! وفي أي رواية أو قصة أو حديث ظهر دليل ذلك ؟!!
- لا يوجد ..!!
2- ولا يمكن أن يكون قوله تعالى (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ) وما بعدها من آيات مثل (وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى
(7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى) .. لا يمكن أن تتعلق بصحابي ولا غير صحابي .. لأن كاف
الخطاب في قوله (يدريك) (عليك) (جاءك) مرتبطة بمن جاءه الأعمى .. فهل جاء الأعمى
يسعى لغير النبي ؟!! ثم أن قوله (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) وقوله (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) .. هل يمكن أن نتصور أن لفظ (أنت)
لغير النبي ؟!! وهل يتنزل قرآن في صحابي مجهول .. بعتاب طوال عشرة آيات .. وتنسب
له القدرة على التزكية والتذكر للغير ..؟!! كيف يعقل ذلك والنبي هو الوحيد الذي له
القدرة في ذلك الوقت بما أعطاه الله إذ قال جل شأنه: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ) آل عمران:164 .. إذن: هذه مهمة النبي وليست الصحابي ..!!
#-
ملحوظة: قد سبق الإشارة لمن قالوا بهذا التفسير .. راجع الفصل الثاني .. تحت عنوان: (س2: ما هي الآراء
التي ذكرها العلماء وغيرهم في تفسير قوله تعالى (عبس وتولى) ؟ - تحت عنوان فرعي: (ثانيا:
من تفاسير علماء الشيعة لقوله (عبس وتولى)).
-
خامسا: أما عن قول الإمام: "ونحن وإن شككنا في عين من نزلت فيه .. فلا ينبغي أن
نشك إلى أنها لم يعن بها النبي ...."
#- وأقول
تعقيبا على كلام الإمام:
- إن كان احتمال أن لا يكون هذه الآيات ليس المعني بها النبي .. فما هو تفسير الآيات في سورة عبس حتى الآية العاشرة ..
؟!! وهل معنى ذلك أن الأعمى جاء لغير النبي .. وأن القرآن نزل على شخص وهمي أو
مجهول يعاتبه في عشرة آيات وهو الذي جلس مع الذي استغنى بكفره عن الإيمان .. وهو
الذي خاطبه الله بلفظ (أنت) .. وهو الذي ينسب له القرآن أن مجالسته للأعمى يكون
فيه تزكية وتذكير له ؟!!
- أظن أن هذا كلام .. لا يصح يا إمام ..!!
- والله أعلم.
#- سادسا: أما عن قول الإمام: " وأي تنفير أبلغ من العبوس في وجوه
المؤمنين .. والتلهي عنهم ....".
#- وأقول
تعقيبا على كلام الإمام:
- إذا كان العبوس تكلمنا عنه سابقا .. إلا أن التلهي عن المؤمنين .. ففيه العتاب لانشغاله بمن هو ليس أولى
بمجاسته لظهور الجحود منه للدين.
- ولكن السؤال هنا: ما الذي يعيب أخلاق النبي في ذلك إذا كان هو يؤدي مهمته أصلا وهي
الدعوة إلى الله ؟!!
- فالله لم يعيب على أخلاق النبي بقوله (عنه تلهى) .. وإنما عاتب على النبي إنشغاله بما هو ليس أولى بان ينشغل معه ..
وإلا فكان فعل النبي صحيح من حيث دعوته للناس بالقرآن .. ولكن لم يكن موفق في
اختيار مجالسته لمن استغنى ومنشغلا به عن الأعمى .. وهذا كل ما في الموضوع.
#- سابعا: أخي
الحبيب أريدك أن تنتبه لشيء مهم جدا:
- لو أنت لاحظت في ختام كلام الإمام المرتضى .. ستجده يقول: " وأي تنفير أبلغ من العبوس في وجوه المؤمنين .. والتلهي
عنهم .. والإقبال على الأغنياء الكافرين والتصدي لهم .. وقد نزه الله تعالى النبي
صلى الله عليه وآله عما هو دون هذا في التنفير بكثير".
- فأظن أن الذي دفع الإمام
للإعتراض على أن يكون هذه الآيات موجهة للنبي .. هو ظنه بوجود صفات لا تتناسب مع أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
.. ولعل الذي دفعه لذلك هو ما بلغه من روايات فاسدة وباطلة يتم تداولها في الكتب
التراثية ولم يقبلها نفسيا ولا عقليا ولا قلبيا .. ومعه حق في ذلك .. إذ أن هذه
الروايات تصيب بالإكتئاب وتسبب غصة في القلب برفض ما يقال فيها.
- ولكن إذا كان يوجد روايات فاسدة وباطلة .. فيوجد ما هو مقبول ولا شيء فيه مطلقا من العبوس في الوجه ولا
الميل للغني عن الفقير ولا غير ذلك ..
@- رحم الله الإمام المرتضى .. اجتهد فأصاب .. في حدود ما بلغه من العلم .. إذ أصاب في إنكار ما
جاء في تلك الروايات الفاسدة وإن لم يذكرها ولكنه أكيد قرأها بدلالة ما أشار إليه
من العبوس في الوجه والإهتمام بالغني عن الفقير .. ولعل هذا كان سبب إنكاره في أن
تكون هذه الروايات وسيلة قد يستخدمها البعض في تفسير الآيات فيسيئون للنبي صلى
الله عليه وسلم .. فحاول منع ذلك حتى لا يسيء احد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ..
وأظن أن هذا كان مقصده الأول حين كتابته ما كتب.
-
والله أعلم.
***********************
..:: س36: ما هي أسباب إنكار الإمام الطبطبائي من علماء الشيعة أن يكون قوله (عبس وتولى) يتعلق بالنبي ؟ ::..
- ممن أنكر أن
يكون قوله (عبس وتولى)
يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم .. هو الإمام الطبطبائي رحمه الله .. وقد ذكر قول
الإمام المرتضى المذكور في السؤال السابق .. وأضاف عليه الآتي:
#- قال الإمام محمد حسين الطبطبائي رحمه الله "من علماء الشيعة"
(المتوفى:1402 هـ):
- وقد عظّم الله خلقه صلى الله عليه وآله
وسلم إذ قال - وهو قبل نزول هذه السورة – (وإنك لعلى خلق عظيم) .. والآية واقعة في سورة " ن
" التي اتفقت الروايات المبينة لترتيب نزول السور على أنها نزلت بعد سورة
أقرأ باسم ربك .. فكيف يعقل أن يعظم الله خلقه في أول بعثته .. ويطلق القول في ذلك
.. ثم يعود فيعاتبه على بعض ما ظهر من أعماله الخلقية .. ويذمه بمثل التصدي للأغنياء
وإن كفروا والتلهي عن الفقراء وإن آمنوا واسترشدوا .. وقال تعالى أيضاً (أنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن
اتبعك من المؤمنين (الشعراء:214-215 ..، فأمره بخفض الجناح
للمؤمنين والسورة من السور المكية والآية في سياق قوله (وأنذر عشيرتك الأقربين) النازل في أوائل الدعوة. وكذا قوله
(لا تمدّن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم ولا تحزن عليهم
واخفض جناحك للمؤمنين) الحجر:88 ..، وفي سياق الآية قوله (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) الحجر:94 ..، النازل في أول الدعوة
العلنية فكيف يتصور منه صلى الله عليه وآله وسلم العبوس والإِعراض عن المؤمنين وقد
أمر باحترام إيمانهم وخفض الجناح وأن لا يمد عينيه إلى دنيا أهل الدنيا .. على أن
قبح ترجيح غنى الغني - وليس ملاكاً لشيء من الفضل على كمال الفقير وصلاحه بالعبوس
والإِعراض عن الفقير والإِقبال على الغني لغناه .. قُبح عقلي مناف لكريم الخلق
الإِنساني .. لا يحتاج في لزوم التجنب عنه إلى نهي لفظي.
(تفسير الطبطبائي ج20
ص112).
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) .. تعقيبا على ما ذكره الإمام الطبطبائي ..
1- لا نختلف أن كل ما يشير إلى وجود إساءة في
أخلاق النبي فهو بكل تأكيد يكون متهم ومتروك ..
- ولكن الحقيقة أن سورة عبس ليس فيها اتهام
لأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وإنما فيها مزيد كمالات لأخلاق النبي صلى الله
عليه وسلم .. إذ ان العتاب هو مزيد كمال في الأخلاق وليس اتهام بالنقص في الأخلاق
..!!
2- أما عن الظن الذي سقط فيه كثير من المفسرين على
اختلاف مناهجهم .. من كون النبي عبس في وجه الأعمى وجالس الغني
وترك الفقير وما شابه هذا الكلام .. فقد أوضحنا كثيرا مصادر هذه المعلومات الفاسدة
والمضللة أيضا ..
3- وما ذكره الإمام الطبطبائي من آيات .. قد سبق الإشارة إلى مثلها وأكثر
منها وناقشناها في فصول سابقة من الرسالة.
- راجع الفصل الخامس تحت عنوان: (س12: هل انشغال النبي عن الأعمى مخالف
لكون النبي بالمؤمنين رؤوف رحيم ولكونه ذو خلق عظيم ولكونه مأمورا بخفض جناحه للمؤمنين
؟).
- وكذلك راجع الفصل الثامن تحت عنوان: (س23: كيف يمكن تصور فعل النبي مع
الأعمى وهو القدوة الحسنة ؟) .. وتحت عنوان: ( س24: كيف يمكن تصور فعل النبي
مع الأعمى وهو الرحمة للعالمين ؟).
- وقد أشار الإمام الطبطبائي أن بداية سورة عبس كانت بأسلوب
الغائب .. وهذا فيه دلالة على المقصود ليس هو النبي ..
- وقد سبق وناقشنا هذه الجزئية في الفصل السابع تحت عنوان: (س20:
هل آية (عبس وتولى) لا علاقة لها بالنبي بدليل قيلت بصيغة الغائب وآيات العتاب كلها
أتت بصيغة المخاطب ؟) .. وتحت عنوان (س21: لماذا قال القرآن عن النبي (عبس وتولى) ولم
يقل "عبست وتوليت" ؟).
- والله أعلم.
#-
ملحوظة هامة:
- حينما أقوم بنقل أقوال من أهل العلم .. فذلك لتحقيقها وبيان ما فيها مما
يمكن قبوله أو التعقيب عليه بعدم قبوله .. ولا أبالي بمذهبية هذا الشخص .. وإنما
أبالي بتحقيقه في العلم إن كان يمكن قبوله أم عدم قبوله .. وذلك القبول وعدم
القبول إنما يكون بضوابط علمية وليس بالمزاج والهوى أو انتصارا لمذهب أو لطائفة
معينة ..!!
- والله ولي التوفيق.. وهو عليم بما في
الصدور.
فعلا من جمالك يا استاذ خالد .. أنك لا تبالى بمذهبية هذا الشخص .. وإنما تبالى بتحقيقه في العلم إن كان يمكن قبوله أو عدم قبوله .. وذلك القبول وعدم القبول إنما يكون بضوابط علمية وليس بالمزاح والهوى أو انتصار لمذهب أو لطائفة معينة
ردحذفاستاذ خالد ابو عوف
إذ أنك يا استاذ خالد .. جراح ماهر .. تستأصل أورام الفكر السرطانية التى انتشرت وتوغلت ..بمشرط الحجة والبرهان .. حيث تركوا الأصل لا عن عمد .. بل عن رأى .. وذلك لقلة المصادر العلمية حينذاك .. فيجب أن نستفيق من كوبتنا للتمسك بهذا الأصل الأصيل .. حيث أن الآراء وصلت بنا لفقه الإختلاف فيما اختُلِفَ عليه في المُخْتَلَف فيه .. وهذه مصيبة .. لأننا بهذا نبعد عن الهدف ونتوه .. ونسأل الله السلامة والعافية يارب امين
شكرا جزيلاً أيها الجراح الماهر .. وهذا ليس مدح .. بل حق .
ومن جميل ما كتبته (إبراهيم فهيم) .. وصيتى لأولادى من بعدى .. أترك لكم وصيتى .. وهى (((مدونة الروحانيات في الإسلام)))
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
والله ولي التوفيق
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم
قال الإمام القشيري قدس الله سره:
ردحذف(الفرق بَيْنَ الرجاء وبين التمني أَن التمني يُورِثُ صاحبَه الكسلَ ولا يسلك طريق الجَهْدِ والجِدِّ. وبعكسه صاحب الرجاء، فالرجاءُ محمود، والتمني معلول).
وأصل التفرقة من قولين صوفيين متقدمين عن زمن القشيري.
فقد قيل للحسن البصري رضي الله عنه كما في الإحياء: قوم يقولون نرجو الله ويضيعون العمل، فقال هيهات، تلك أمانيهم يتأرجحون فيها. من رجا شيئا طلبه، ومن خاف شيئا هرب منه.
وقول أبي سعيد الخراز وينسب للجنيد كذلك: من ظن أنه يصل إلى الله بلا عمل فمُتَمَنٍّ، ومن ظن أنه يصل بالعمل فمتعنٍّ.
فترك ابن عطاء الله كلمتي "الجهد والجد" الواردتين كلام القشيري، وأخذ كلمة العمل في كلام الحسن البصري والخراز - وهي أعم، كما أنها ألطف وأخف وطأة، وقال في إيجاز بليغ:(الرجاء ما قارنه عمل وإلا فهو أمنية).
ثم ترجع الأقوال كلها إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم:
الكيس من دان نفسه "وعمل" لما بعد الموت، والأحمق من أتبع نفسه هواها "وتمنى" على الله.
بسم الله الله أكبر
ردحذفالله يعينك على البحث والتدقيق بكتب العلم. الله معك وممدك.
أستاذي الحبيب خالد،
ردحذفحقّا بذلتم كلّ الوسع والجهد لتفسير الآيات بأرقى ما يمكن أن يكون، وحقّا أيضا أنّكم أنصفتم سيّدي، فسبحان من رقّاكم وزكّاكم وعلّمكم، وأسأله سبحانه أن يشملكم بقطرات نور سحاب رمضان التّي قطرت على كلّ إنسان له يركة في هذا الزّمان، اللهم آمين آمين آمين يا رب العالمين.
سيّدي الحبيب خالد:
لتائه مثلي أن يحدّثه خياله فينقطع عنه برهانه، والخيال خبال، وقد ظلّ من عمل بخياله وأظل، وليس بعاقل من يتّع خيالا وينكر برهانا، وهذا الخيال سيّدي لو كنت كاتبا لسيناريو فلم سينمائيّ لهذه القّصّة، لو قُدّر لي ذلك فسيكتبها خيالي ويقول:
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كان يحاور أناسا من المشركين، وكان رجل مسلم من المسلمين له صلة قرابة بأحدهم كان بقريهم، وكانت له حاجة عند هذا القريب، هو يريد الحديث معه والآخر لا يكاد يعيره أيّ إهتام، ولقد كان الأمر منذ البداية أنّ هذا المسلم بقي ينتظر قريبه أن يفرغ مع أصحابه، وقد كانوا جميعا بانتظار رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم حين يأتي إليهم، إذ كلّ من كان هنالك كان على علم بأنّ رسول الله سيأتي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
فلمّا أن كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم بينهم، كان أولئك السّادة منهمكين إمّا بالإنصات أو بالحديث معه صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، واختار هذا المسلم منذ البداية أن لا يقترب من جمعهم مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم إذ أتى، فتقديره كان أنّ ذلك سيسعفه بمراده من قريبه.
كان الأمر كذلك إلى أن أتى رجل أعمى يرشده رجل آخر يريد رسول الله إذ علم أنّه صلى الله عليه وعلى آله وسلّم هناك، فأخبره مرشده أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يحدّث قوما ليس ببعيد عنهم فلان المسلم، فظاهره أنّه ليس منهم وبامكانه أن يذهب إليه لينتظر حتّى إنتهاء مجلس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم .
ولأنّ الأعمى لم يكن يريد أن يقطع كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم من جهة، وكان قد أخبره الذّي أرشده لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّ ذلك المسلم من جهة أخرى كان كأنّه ليس بينهم بحيث يمكن للأعمى أن يقترب منه لينتظر أن يُنهي رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كلامه مع القوم ثمّ يتقدّم هو لمسألته، لأنّ الأمر كذلك إذ بالأعمى يسعى إلى هذا المسلم الذي هو أصلا في إنتظار فراغ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم مع قريبه حتّى يذهب إلى هذا الأخير لحاجة عنده إليه.
فلمّأ أن تقدّم الأعمى نحوه يمسكه صاحبه المرشد إذ بهذا المسلم يعبس بوجهه يريد الإنصراف عن لقائه ومجالسته فيرتاح من مجالسة هذا الفقير الأعمى الذّي إعتقد أنّه سيشغله عمّا هو فيه من إنتظار لقريبه، فما كان منه إلا أن أظهر كأنّه منشغل بتقدّمه نحو قريبه يكلّمه، ولم يكن يعلم أنّ هذا الأعمى جاء يطلب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم.
هكذا كان خيالي ليكتب هذا السيناريو في فلم لو كنت منتجا أو مخرجا له، لكن لا الخيال يغني من الحق شيئا، ولا موهبة إنتاج الأفلام تسعف.
كانت إذن هذه قصّة في خيال محبّ عاشق كان يمكن له أن يكتبها لو كان له من الأمر شيئ، وطالب الحق لا يسعفه الخيال، بل يكفيه القرآن مع ما يوافقه من صحيح السنة.
شكرا لرحابة صدركم,
شكرا لبوحك يا نزار ولقد شجعتني ان ابوح ايضا .. بالرغم اني اقتنعت برأي استاذنا الفاضل بموجب التفسير اللطيف والمعنى الأنيق للعبوس والتولي ؛ بعيدا عن التشنيع والمغزى القبيح .. إلا انه مازال شيء من التصور يراودني .. وخاصة انني لا انسى اللحظة الاولى التي قرأت فيها وعلمت ان الاحاديث المروية في ( عبس وتولى ) ضعيفة .. وحينها فجأة احسست بأن تصوري - أن النبي هو المقصود ب عبس وتولى - وكأنه شيئا ثقيلا قد سقط من عقلي .... وبعدها تشكل الموقف في مخيلتي بالمشهد التالي :
حذفان الذي عبس وتولى هو احد الناس لم يهتدي بعد ؛ وكان يتكلم مع النبي .. فلما جاء الاعمى باتجاههم وقاطعهم .. كره ذاك الشخص مجيئ الاعمى وحقره .. فعبس وتولى اي ترك المجلس .. { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰۤ (١) أَن جَاۤءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ (٢) }
ولأن الله اعلم بقلب حبيبه صلى الله عليه وسلم والهمّ الذي يحمله ورأفته وحرصه لو كل الناس يؤمنون ويهتدون .. فنزل جبريل بآيات القرآن يبين له حقيقة تلك النفوس ( نفسية الشخص الذي كان يحادث النبي ، ونفسية الاعمى الذي اقبل عليهم ) .. ليزيده رفعة في اخلاقه ويعامل الناس بما يستحقون .. وفي نفس الوقت لا يتحسر على من لا يتبعون ..
وكأنه يقول للنبي : ليس كل ما تراه حقيقة - حتى لا يستنزف جهده ووقته مع من لا فائدة من الحديث معه .. وان ينتبه لمن صدق وجاء طالبا الحق .. فقال له :
وما يدريك يا محمد ان الاعمى - وإن كان قد آمن - فقد يتزكى ويزداد ايمانا .. اما ذاك الذي لم يهتدي بعد او انه رأى في نفسه مستغنيا عن دعوتك .. وكنت حريصا عليه متأملا منه القبول .. فاعلم انه لا نية عنده في قبول دعوتك وتوجيهك ، ولا فائدة من استمرار الحديث معه .. فانتبه لمن آمن وجاءك يسعى طالبا التزكية والارشاد فهو أولى ان تهتم به .. فلا يلهيك عنه من استغنى واكتفى بفكره ..
الخلاصة .. رأيي ان { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰۤ (١) أَن جَاۤءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ (٢) } .. خاطبت من ليس في قلبه ايمان ؛ وإلا .. لعطف على الاعمى بشيء من الحنان ولم يتولى عنه وله أهان ..
اما الآيات : { وَمَا یُدۡرِیكَ لَعَلَّهُۥ یَزَّكَّىٰۤ (٣) أَوۡ یَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكۡرَىٰۤ (٤) أَمَّا مَنِ ٱسۡتَغۡنَىٰ (٥) فَأَنتَ لَهُۥ تَصَدَّىٰ (٦) وَمَا عَلَیۡكَ أَلَّا یَزَّكَّىٰ (٧) وَأَمَّا مَن جَاۤءَكَ یَسۡعَىٰ (٨) وَهُوَ یَخۡشَىٰ (٩) فَأَنتَ عَنۡهُ تَلَهَّىٰ (١٠) } .. خاطبت النبي بناء على ما كان يحمله في قلبه من رأفة بحال ذاك الذي لم يهتدي وحرص ان يقبل دعوته ، بينما لم يشغله الاعمى لأنه كان قد آمن ، فالامر ليس كما كان في ظن النبي أنّ من لم يهتدي أولى بالاهتمام به ..
فأراد الله ان يرتقي بمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم من خلال الكشف عن حقيقة النفوس فيعامل كل أناس بما يناسبهم .. حتى يبقى متحققا دوما بقوله تعالى { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِیمࣲ }
وكأنها قاعدة لمن يريد إرشاد الناس :
انشغل بمن يطلب الهداية .. ولا تنشغل بمن لا يطلبها .... فمن يطلب الهداية تجده يسعى وهو يخشى ؛ فعنه لا تتلهى .... واما من استعلى واستغنى فإنه لا يطلبها ؛ فلا تحرص عليه ولا تتصدى .
وفي الختام ورأيي الذي اريد ان اوصله لكم : ان سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يصدر عنه ردة فعل من عبوس وتولي .. والذي كان منه هو زيادة اهتمام بدعوة شخص ما اكثر من اهتمامه بشخص آخر كان قد آمن .. حرصا منه على تبليغ الرسالة ..
هذا .. والله اعلم بمراده .. فهو الحق .. ولا اقول إلا ظنا او توهما .. اللهم علمنا يا عليم .. وفهمنا يا حكيم .. آمين يارب العالمين
يقول العارفون إن روح الصلاة هي "المناجاة"،فإن المصلي إنما يقوم إلى صلاته ليناجي ربه، ويفضي بك مزيد من التدبر لترى أن المصلِّي في هذه المناجاة يتوسل ثلاث لغات في صلاته في آنٍ واحد:
ردحذف-لغة كونية: يصلي الجسد بلغته العملية، لغة يعرفها كل إنسان بمقتضى فطرته، فالإتجاه ،والركوع، والسجود، والقيام، والتذلل، كل هذه الأفعال تعبر عن الخضوع والخشوع بلغة جسدية عالمية، لغة لا تحتاج إلى كلمات منطوقة، ولا إلى لغة مخصوصة، إنما تحتاج فقط إلى حضور القلب و تمثّله معاني أفعال الصلاة وهيئاته الجسدية.
-لغته وكلماته التي نشأ عليها: يناجي ربه ويثني عليه ويمجّده ويدعوه بهذه الكلمات ذات المعاني الروحية المخصوصة.
-لغة فردية وجدانية: اللغة التي لا يسمعها إلا مَن يتوجّه إليه بالمناجاة، لغة الشعور والوجدان، صوت فؤاده الخاشع، لغة الحضور والوجل والانكسار والافتقار، همس القلب وأنينه، فرحه وحبه، وعروجه حال سجوده… مناجاة القرب والسكون.
ربما يفضي وعي المصلي لهذه اللغات الثلاثة ومحاولة موآطأة الاولى والثانية مع الثالثة وهي لغة القلب وأعماله، وإحضار قلبه لمعانيها ودلالتها كل هذا يفضي إلى إصلاح الصلاة وإقامتها لتصبح تعبّدًا حيًّا يجمع على الإنسان قواه الإدراكية والتواصلية بطبقاتها ولغاتها ومعانيها..على مقصودٍ واحد وقبلةٍ واحدة.
جزاك الله خيرا استاذنا الفاضل
ردحذفوزادك وزادنا علما
آمين يارب العالمين