ج12: عن قوله تعالى (عبس وتولى) - ما المقصود من لفظ (تولى) من قوله (عبس وتولى) - لماذا وصف الله الصحابي ابن أم مكتوب بالأعمى مع أن الله قال (وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ) - هل قوله (لعله يزكى) يقصد به الكافر وليس الأعمى - ما المقصد من تكرار لفظ (أنت) من قوله (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) - (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) - ما الفرق بين الكافر الذي استغنى وبين الإنسان الغير مسلم الممكن المحاولة معه - ما هي أحد الخرافات التي قيلت عن سورة عبس وموجودة في الكتب التراثية.

       بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة قصص من كتب التفاسير

رسالة

الرأي الأولى في تفسير قوله تعالى (عبس وتولى)

وبيان حقيقة قصة النبي مع الصحابي ابن مكتوم

 (الفصل الثاني عشر)

#- فهرس:

:: الفصل الثاني عشر :: مسائل مختلفة عما قد يخطر ببالك في أول آيات من سورة عبس ::

1- س37: ما المقصود من لفظ (تولى) من قوله (عبس وتولى) ؟

2- س38: لماذا وصف الله الصحابي ابن أم مكتوب بالأعمى مع أن الله قال (وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ) ؟

3- س39: هل قوله (لعله يزكى) يقصد به الكافر وليس الأعمى ؟

4- س40: ما المقصد من تكرار لفظ (أنت) من قوله (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) - (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) ؟

5- س41: ما الفرق بين الكافر الذي استغنى وبين الإنسان الغير مسلم الممكن المحاولة معه حتى يُسلم ؟

6- س42: ما هي أحد الخرافات التي قيلت عن سورة عبس وموجودة في الكتب التراثية ؟

*****************

:: الفصل الثاني عشر ::

*****************

 

..:: س37: ما المقصود من لفظ (تولى) من قوله (عبس وتولى) ؟ ::..

 

#- قال الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى : 1393هـ):

- والتولي: أصله تحول الذات عن مكانها .. ويستعار لعدم اشتغال المرء بكلام يلقى إليه أو جليس يحل عنده ..

- وهو هنا مستعار لعدم الاشتغال بسؤال سائل ولعدم الإقبال على الزائر. (تفسير التحرير والتنوير ج30 ص104).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- سبق وذكرنا .. أن القول بأن النبي أعطى ظهره للأعمى هو مجرد خرافة تفسيرية أتت من روايات مضللة .. وهي روايات تفسيرية منقولة عن الصحابي بن عباس ومكذوبة عليه مثل (فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَعَبَسَ فِي وَجْهِهِ) ... وعن التابعي الضحاك بن مزاحم جاءت روايات بألفاظ قبيحة جدا مثل (وكلما سأله عبس في وجهه وأعرض عنه) ومثل (فكرهه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وتولى عنه) .... والروايات كلها تالفة سندا ومتنا .. وهذا كافي جدا ليجعل منها خرافة تفسيرية ..!!

 

#- وبصورة مجملة لكل ما جاء في الرسالة حول هذه الجزئية:

@- لو كان معنى (تولى) بمعنى أعرض عنه بجسمه .. فهذا معناه الآتي:

- أنه قابل الأعمى وتركه ورحل عنه .. وهذا ليس من القصة أصلا .. ولا نتصور حدوثه من النبي صلى الله عليه وسلم .. لأن القصة في القرآن يظهر منها مجالسة النبي لناس من الكفار ومجيء الاعمى للمكان الذي فيه يجالس الناس واستمر في الحديث معهم .. وهذا الاستمرار معناه أنه ظل باقيا ولم يرحل من مكانه .. فكيف يكون الإعراض بالجسم مبتعدا عنه ..؟!!

 

@- ولو كان معنى (تولى) بمعنى أعرض عنه بالسماع .. فهذا يحتمل الآتي:

- أن الأعمى جلس مع النبي في حضور من كان يجالسه .. إلا أنه كان يقاطعه في كلامه طمعا في أن يشترك في هذا الحديث .. وهذا تسبب لضيق وخنقه للنبي وأعرض عن مقطاعة كلامه مع الكافر ليرد على المؤمن.

 

- وهذا باطل ولا يمكن تصوره .. لأنه ببساطة كان قال النبي للأعمى: انتظرني حتى انتهي من كلامي مع القوم عسى أن يكرمهم الله بالإيمان كما أكرمك بالإيمان واستمع لما أخبرهم به وتعلم مني كيف تكون الدعوة إلى الله .. "وبالتالي كان الأعمى سيلتزم" .. وهذا بديهي جدا... وإلا كان القرآن عاتب الأعمى أيضا لإساءة الأدب حينئذ متعمدا في حضرة أو مجلس النبي حتى لا يكون فعله مباحا لكل المؤمنين بأن يمكنهم مقاطعة النبي في مجالسه ..، وإذا كان القرآن أتهم من ينادي النبي من وراء الحجرات بقلة العقل .. فكيف سيكون اتهام القرآن لمن يسيء للنبي وهو يجالسه ؟!! 

 

@- وإنما المقصود بالإعراض عن الأعمى .. هو تجنب مقابلة الأعمى من خلال توضيح ذلك لقائد الأعمى .. لانشغال النبي بمجالسة من كان يدعوه للإيمان.

- والله أعلم.

**********************

 

..:: س38: لماذا وصف الله الصحابي ابن أم مكتوب بالأعمى مع أن الله قال (وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ) ؟ ::..

 

- من المسائل التي قد تخطر ببالك .. هو وصف الله لابن أم مكتوم بالأعمى .. وهو لفظ فيه شدة على نفسه من يسمعه .. بل هو مكروه جدا قوله وفيه نهى من الله إذ قال جل شأنه (وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ) الحجرات:11 ..

- ومعنى قوله (وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ): أي لا يدعو أو ينادي بعضكم بعضا بلقب يكرهه ويؤذيه في نفسه على سبيل المعايرة.   

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- أولا: بكل تأكيد لم يذكر الله وصف الأعمى في القرآن للتحقير من شأنه ..

- فليس المقصد من وراء ذلك هو معايرة ابن أم مكتوم بكونه أعمى أو التنقيص من شأنه .. وكيف ذلك والقرآن يعاتب النبي فيه .. وإنما الوصف أتى للدلالة على كونه مستحق للإهتمام أولى من غيره لهذه العلة التي فيه وهي أنه لا يرى بسبب العمى الذي أصابه.  

 

- إذن: لفظ الأعمى .. إنما أتى للتعريف بحال الشخص وليس للتنقيص منه .. ليكون فيه ذلك اهتمام للسامع بأصحاب الأعذار .. فإذا كان الله هو من أوجد العلة والإصابة لهذا المصاب فهو أيضا الذي يدعونا للإهتمام والعناية به ..

 

- ولكن أحيانا يتم تمييز الشخص بعلته للتعريف به .. وهذا ليس اتهام للشخص بعلته وإنما تعريفا بعلته للتمييز به عن غيره .. كأن تقول: فلان الذي يسكن في هذه المنطقة واسمه "محمد" .. ونظرا لأنه قد يوجد في تلك المنطقة مئات من اسمهم محمد .. ولكن قد يكون نادرا من هو أعمى .. فتقول أبحث عن شخص في هذه المنطقة اسمه محمد ويسكن هنا وهو ضرير أو أعمى أو كفيف .. وأنت قلت ذلك لتميزه عن غيره ممن اسمهم محمد.

 

- فهذا لا تنابز فيه بالألقاب حينئذ .. لأنك لم تعايره بشيء .. وإنما تصفه بخصوصية تعريف حتى تميزه عن غيره من أجل سهولة التعريف بالشخص المقصود.

 

- ولذلك التنابز بالألقاب وهو المعايرة بوصف مؤذي للطرف الآخر بعلة فيه هو يكره مناداته بها كالأعرج والأعمى والقصير والطخين.

 

#- ثانيا: من كلام العلماء حول سبب مجيء القرآن بلفظ الأعمى.

1- قال الإمام الألوسي رحمه الله (المتوفى:1270 هـ):

- والتعبير عن ابن أم مكتوم .. بالأعمى .. للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وتشاغله بالقوم.

- وفي ذكر الأعمى .. وَصْف يناسب الإقبال عليه والتعطف. (تفسير روح المعاني ج15 ص242 – مختصرا من كلامه).

 

2- قال الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى : 1393هـ):

- وعبر عن ابن أم مكتوم ب (الأعمى) ترقيقا للنبي صلى الله عليه وسلم .. ليكون العتاب ملحوظا فيه أنه لما كان صاحب ضرارة فهو أجدر بالعناية به .. لأن مثله يكون سريعا إلى انكسار خاطره. (تفسير التحرير والتنوير ج30 ص105).

 

@- وخلاصة القول:

- أن الله قد ذكر الأعمى بهذا الوصف .. إشعارا بعذر الأعمى في الإقدام عليه ومناداته .. وهو لا يعلم باجتماع النبي مع أحد يحدثه .. فضلا عن أن من هذا حاله فهو الأولى بالعناية والإهتمام به.

 

#- ملحوظة هامة: في بعض الكتب يقال أن العتاب للنبي من أجل أن النبي عبس وتولى عن الأعمى بسبب أنه أعمى أي نفر منه لعماه .. وهذا من قبيح ما قرأته وأحقر ما يمكن أن يتصوره عقل في نبي أو حتى إنسان عادي ..!!

 

***********************

 

..:: س39: هل قوله (لعله يزكى) يقصد به الكافر وليس الأعمى ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- عند قوله تعالى: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) عبس:3 .. قال البعض: يوجد رأي يقول أن ضمير (لعله) قد يكون مرتبط بالكافر .. ويقصد بذلك: وما يدريك أن ذلك الكافر يريد أن يزكى أو يذكر.

 

#- وهنا لي سؤال بسيط:

- أين هذا الكافر الذي يعود إليه ضمير (لعله) من قوله (وما يدريك لعله ...) ؟!!

- فإذا كان أول ظهور للشخص الكافر في الآيات .. كان عند قوله (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى) عبس:5.. وهي الآية الخامسة من سورة عبس .. وقوله (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) هو الآية الثالثة من سورة عبس.

 

- فكيف يكون ضمير (لعله) يعود للكافر .. إذا كان لفظ (لعله) يعود على ما قبله من الآيات وليس على ما بعده ؟!! بل والضمير يعود على أقرب مذكور .. وأقرب مذكور هنا هو الأعمى وليس الكافر.

 

#- ورحم الله الإمام ابن حيان الاندلسي (المتوفى: 745هـ) إذ ذكر هذا الرأي وأنكره .. فقال:

- وقال الزمخشري: وقيل: الضمير في لعله للكافر، يعني أنك طمعت في أن يتزكى بالإسلام. أو يذكر فتقربه الذكرى إلى قبول الحق، وما يدريك أن ما طمعت فيه كائن. (انتهى) ... "وهذا قول .. ينزه عنه حمل القرآن عليه". (تفسير البحر المحيط ج10 ص406).

 

- وعموما هذا الرأي التفسيري للفظ (لعله) بأنه مختص بالكافر .. هو رأي مستبعد عند العلماء .. ولكن البعض يذكره في تفسيره .. فأحببت الإشارة إليه لتعرفه وتتجنبه لأنه بعيد عن تصوره في الآيات.

- والله أعلم.

 

********************

 

..:: س40: ما المقصد من تكرار لفظ (أنت) من قوله (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى)، (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) ؟ ::..

 

#- قال الإمام الزمخشري رحمه الله (المتوفى: 538هـ):

- فإن قلت: قوله (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى)، (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) .. كأن فيه اختصاصا ؟

- قلت: نعم .. ومعناه: إنكار التصدي والتلهي عليه .. أى: مثلك خصوصا لا ينبغي له أن يتصدى للغنىّ ويتلهى عن الفقير. (تفسير الزمخشري ج4 ص702).

- والله أعلم.

 

*******************

 

..:: س41: ما الفرق بين الكافر الذي استغنى وبين الإنسان الغير مسلم الممكن المحاولة معه حتى يُسلم ؟ ::..

 

- البعض قد يظن أو يفهم من آيات سورة عبس .. أنه ينبغي عدم التعرض للكافر في محاولة لإيمانه .. وهذا خطأ .. لأن المقصد هو عدم الإهتمام بالكافر الذي ظهر منه الإستغناء عن الإيمان راضيا بكفره .. بعد محاولات معه .. ويظل عنيدا على كفره ويظهر منه المعاداة لك.

 

- وليس المقصود هو ترك المحاولة في توجيه إنسان لم تبلغه الدعوة أو بلغته دون توضيح له بحقيقة الرسالة القرآنية .. فهذا ينبغي المحاولة معه عسى أن يجد الإيمان طريقا له في صدره وينشرح صدره للإسلام .. أما الذي يعاديك ويعاندك ويستعلى عليك .. فيكفيك المحاولة فقط وإن وجدت إساءة منه فله السلام وليس عليك هداه ولكن الله يهديه وقتما يأذن.

 

- فالقرآن في الأصل .. لم يعاتب على النبي مجرد وجوده مع من يبلغه الدعوة .. لأن الله أمره بذلك: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) المائدة:67.

- وإنما القرآن عاتب النبي على استمراره في دعوته للكافر منشغلا به عن الأعمى ..، وهذا الإنشغال بدعوة الكافر عن الإهتمام بمجيء الأعمى الذي طالب بمجالسته .. هو ما كان سبب العتاب على النبي .. إذ أن كون النبي رحيم .. من باب أولى توجيه رحمته للمؤمن الضعيف أولى من توجيه رحمته للكافر المستغني عن الإيمان ..

- والله أعلم.

 

*************************

 

..:: س42: ما هي أحد الخرافات التي قيلت عن سورة عبس وموجودة في الكتب التراثية ؟ ::..

 

- بمناسبة الكلام على سورة عبس .. فيوجد خرافة متداولة في بعض الكتب التراثية القديمة .. أحببت ان أذكرها هنا وإن كانت لا علاقة لها بقصة النبي مع الأعمى .. وهذه الخرافة قائمة على حديث منسوب للنبي صلى الله عليه وسلم .. وإليك بيانه لتكون على علم وإحاطة به ..

 

1- (حديث موضوع "باطل ومكذوب على النبي") ابُو بكر محمد بن الحسن بن دُريد، ثنا أوسُ بن ضمعج، عن أنس قال: (استأذنَ العلاءُ بن يزيدَ الحضرمى على النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنت له فأذِنَ، فلمَّا دَخَلَ عليه .. سُفِر (أي كنس) له النبي - صلى الله عليه وسلم - البيت، ثم أجلسه وتحدثا طويلًا، ثم قالَ له: يا علاءُ تُحْسِنُ من القرآن شيئًا؟ قالَ: نعم، ثم قرأ عليه "عبس" حتى ختمها فانتهى إلى آخرها .. وزاد فيها من عنده .. وَهُوَ الَّذى أخرجَ الحبلَى نسمة (أي نفس) تسعى مِنْ بين شراسيفِ (أي من أضلاع البطن) وحَشَا (أي جانب البطن)، فصاحَ به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَا عَلاَءُ انتهِ (أي توقف) .. فقد انتهت السورةُ) ذكره السيوطي في جمع الجوامع .. وذكره المتقى الهندي عن ابن النجار في كنز العمال ..، (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث باطل ومكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم .. وفي السند عاهات وليس علل ..!!

أ- ففي السند أن (محمد بن الحسن بن دريد) ضعيف الحديث وتركوا حديثه لعلة كانت فيه وهي السُّكر ..!! ، والحسن بن دريد ولد سنة 232هـ ..، و (أوس بن ضمعج) توفى 74 هـ .. يعني الحسن بن دريد لم يقابل "أوس" .. وبينهما فرق زمني (199 سنة هـ) ..

ب- وكذلك يوجد انقطاع بين (أوس بن صكعج) وبين (أنس بن مالك) لأن "أوس" لم يقابل "أنس بن مالك" ..!!

ج- ولا يوجد شخص في الصحابة اسمه (العلاء بن يزيد الحضرمي) وإنما يوجد (العلاء بن الحضرمي – وهو عبد الله بن عباد بن مالك بن ربيعة) ..!!

د- والمتن باطل ومكذوب على النبي .. ولا يمكن أن يسمع النبي شخص يقرأ القرآن وزاد فيه كلام ليس منه ثم يقول له النبي فقط : انته أي توقف فقد انتهت السورة ..!! دون أن يسأله من أين أتيت بهذه الزيادة الباطلة التي أضفتها في كلام الله ..!!

 

- والحقيقة أنه من المؤكد أن النبي لن يسأله عن شيء .. لأن الحضرمي لم يقرأ شيء .. ولم يطلب النبي أن يقرأ له شيء من القرآن .. لأنه كيف يطلب النبي منه أن يقرا شيء من القرآن .. وهذا الحضرمي كان أتى ليعلن إسلامه أمام النبي .. فكيف الحضرمي يقرأ ما لم يعرف عنه شيئا ..!!

- وعموما الرواية من أولها لآخرها كلها عاهات .. فانتبه.

 

2- وفي رواية أخرى (حديث ضعيف سندا وباطل متنا) .. عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ،: (أَنَّ وَفْدَ بَنِي أَسَدٍ، أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَنْ أَنْتُمْ» . فَقَالُوا: نَحْنُ بَنُو الزِّنْيَةِ أَحْلَاسُ الْخَيْلِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتُمْ بَنُو رَشدَةٍ» . فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ بْنُ عَامِرٍ: وَاللَّهِ لَا نَكُونُ كَابْنِ الْمُحَوَّلَةِ، وَهُمْ بَنُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ، كَانَ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ غَطَفَانَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: «هَلْ تَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا؟» قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: «اقْرَأْهُ» . فَقَرَأَ مِنْ عَبَسَ وَتَوَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقْرَأَ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ الَّذِي مَنَّ عَلَى الْحُبْلَى، فَأَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى بَيْنَ شَارَسِيفَ وَحْشًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزِدْ فِيهَا فَإِنَّهَا كَافِيَةٌ») رواه بن الضريس في فضائل القرآن .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث باطل ولا شك في كذبه على النبي صلى الله عليه وسلم ..

أ- وبخصوص السند .. فيوجد انقطاع بين (أبي وائل) وبين النبي صلى الله عليه وسلم .. ولا نعلم من أي مصيبة أتى بهذه القصة ..!!

 

ب- لا يمكن أن يظن مؤمن .. بأن النبي قال لمن زاد في القرآن: (لا تزد فيها فإنها كافية) .. وكأنه يمكن أن يزاد فيه .. ولكن هذا القدر فقط هو الكافي ..!!

- فكيف لمؤمن أن يصدق هذا التخريف عن النبي صلى الله عليه وسلم ..!!

 

ج- وكيف لهذا الحضرمي .. أن يقرأ شيئا من القرآن وهو قد أتى ليعلن إسلامه ولا يعرف شيئا عن القرآن أصلا .. ثم كيف يطلب منه النبي أن يقرأ شيئا من القرآن وهو كان كافرا آنذاك ..؟!!

- ما هذا الكذب الوقح على النبي صلى الله عليه وسلم .. !!

- بل والغريب جدا .. أن تجد البعض على الإنترنت يتجرأ على النبي ويكتب جنب هذه الرواية أنها "حديث صحيح" .. فيا لها من وقاحة وجرأة على النبي صلى الله عليه وسلم ..!!

 

3- وفي رواية (باطلة) أخرى لهذه القصة .. جاء فيها (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَضْرَمِيٍّ: «أَتَقْرَأُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ؟» قَالَ: فَقَرَأَ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 2] , وَالَّذِي امْتَنَّ عَلَى الْحُبْلَى , فَأَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى , بَيْنَ شِغَافٍ وَحَشَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزِيدَنَّ فِيهَا؛ فَإِنَّهَا شَافِيَةٌ كَافِيَةٌ») رواها بن سعد في الطبقات .. (قلت خالد صاحب الرسالة): هذا الحديث مروي عن (هشام بْن محمد بْن السائب) وهو متهم بالكذب ومتروك الحديث .. ويظهر من الرواية البطلان بلا ريب .. إذ أن القول: (لا تزيدن فيها فإنها شافية كافية) دليل على أنه يمكن الزيادة ولكن توقف عند هذا الحد ..!! وهذا كلام كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقوله ..!!

- والمتأمل سيجد أن المذكور في تلك الرواية سورة الأعلى وليست سورة عبس ..!!  

- لأن هذا الكلام المنسوب للنبي هو مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم.

 

4- ودعنى أفاجأك بأن الجزء المذكور في الروايات السابقة .. إنما هو مأخوذ من قول مسليمة الكذاب الذي كان يخترع السجع من كلامه ليساوي كلامه بكلام القرآن .. والذي كان من كلامه وأقواله: (ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى . أخرج من بطنها نسمة تسعى . من بين شراسيف (أي أضلاع) وأحشى (أي وأجناب)) راجع روايات السيرة النبوية ومنها المواهب اللدنية للقسطلاني ج2 ص245 ..

- وفي لفظ آخر عن مسيلمة الكذاب أنه قال: (لَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْحُبْلَى . إِذْ أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمة تَسْعَى . مِنْ بَيْنِ صِفَاق (أي ضلع) وحَشَى) .. راجع تفسير بن كثير ج4 ص255 .. عند قوله تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) يونس:17 ..

 

5- ودعني أفاجئك مرة أخرى .. بأن هذه القصة الخاصة بالحضرمي بْن عامر .. قد رواها ابن الأثير .. في كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة عن شيخه أبي موسى المديني .. عند الترجمة رقم 1200 تحت عنوان (حضرمي بْن عامر) .. ورواها عن أبي هريرة .. ولم يذكر لها أي سند .. ولكن هذه القصة بالرغم من أنه حكاها مطولة .. إلا أنه ليس فيها بأن النبي قال للحضرمي بأن يقرأ له من أي سورة .. لأنه أصلا أتى ليعلن إسلامه .. فكيف سيقرأ له أي سورة من القرآن .. وهو لم يكن قد أسلم ولا يعرف شيئا عن القرآن ؟!! 

 

@- وخلاصة القول:

- أن قصة حضور بني أسد ومنهم (حضرمي بن عامر) إلى النبي وإعلان إسلامهم .. فهي قصة مذكورة في عدة روايات .. وهم من جملة القبائل التي أتت لتسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم .. ولكن طبعا ليس في القصة التخريف الخاص بجزئية سورة عبس أو سورة الأعلى .. فانتبه يا مؤمن.

- والله أعلم.  

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .