ج13: عن قوله تعالى (عبس وتولى) - لماذا قال الله في سورة عبس (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ) ولم يقل "لعله يتزكى . أو يتذكر" - ما أحسبه خرافات مدسوسة في قصة النبي مع الاعمى في سورة عبس.

        بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة قصص من كتب التفاسير

رسالة

الرأي الأولى في تفسير قوله تعالى (عبس وتولى)

وبيان حقيقة قصة النبي مع الصحابي ابن مكتوم

 (الفصل الثالث عشر)

#- فهرس:

:: الفصل الثالث عشر :: مسائل وخرافات تتعلق بالآيات الأولى من سورة عبس ::

1- س43: لماذا قال الله (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ) .. ولم يقل "لعله يتزكى . أو يتذكر" ؟

2- س44: كيف يمكن النظر إلى تفسير آيات سورة عبس من حيث الإنتقال من الغيبة إلى المخاطبة ؟  

3- س45: ما هي بعض المسائل التي أحسبها خرافات مدسوسة في كتب التفسير وقيلت في العشر آيات الأولى من سورة عبس ؟

*****************

:: الفصل الثالث عشر ::

*****************

..:: س43: لماذا قال الله (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ) .. ولم يقل "لعله يتزكى . أو يتذكر" ؟ ::..

 

- من المسائل التي قد تلفت انتباهك في سورة عبس .. هي قوله تعالى: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) .. وفتسأل وتقول: لماذا لم يقل (يتزكي أو يتذكر) ؟ فهل في ذلك إشارة ؟!!

- وقد وجدت من تفسير الإمام البقاعي .. أن إدغام تاء الإفتعال في لفظي (يزكى – يذكر) في تلك الكلمتين للدلالة على تأثير ولو بشيء بسيط من التزكية والتذكر .. أي أن انتفاع الأعمى حتى ولو كان بشيء بسيط جدا من التزكية والتذكر فهو فيه خير .. وإليك ما قاله الإمام البقاعي رحمه الله ..

 

#- قال الإمام إبراهيم بن عمر البقاعي رحمه الله (المتوفى: 885هـ):

- ولما عرف بسياق الغيبة ما أريد من الإجلال .. وكان طول الإعراض موجباً للانقباض .. أقبل عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: (وما يدريك) أي وأي شيء يجعلك دارياً بحاله وإن اجتهدت في ذلك فإن ذوات الصدور لا يعلمها إلا الله تعالى.

- (لعله) أي الأعمى (يزكى) .. أي يكون بحيث يرجى تطهره ونمو أحواله الصالحة بما يسمع منك .. ولو على أدنى الوجوه .. بما يشير إليه إدغام تاء الافتعال ..

- وكذا قوله: (أو يذكر) .. أي أو يقع منه التذكر لشيء يكون سبباً لزكائه وتذكره .. ولو كان ذلك منه على أدنى الوجوه المخرجة من الكفر .. فإن الخير لا يحقر شيء منه. (تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ج21 ص251-252).

 

- معنى قول الإمام (وكان طول الإعراض موجباً للانقباض): أي لو ظل الله يحدث نبيه بصيغة الغائب التي بدأ بها السورة .. لكان سبب له ذلك انقباضا ووحشة .. فأراد الله ان يرفع عنه ذلك بتوجيه الخطاب له .. فأقبل عليه بمخاطبته قائلا كذا وكذا .

- والله أعلم.

 

********************

 

..:: س44: كيف يمكن النظر إلى تفسير آيات سورة عبس من حيث الإنتقال من الغيبة إلى المخاطبة ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- حين ابتدأت سورة عبس بأول آيتين على سبيل الغيبة .. ثم انتقلت للمعاتبة بصورة المخاطب .. فيمكن تفسير الآيات بأحد اتجاهين حسب فهم العلماء للمقصد من الغيبة .. هل المقصد هو التلطف مع النبي أم الإنكار عليه .. ولكل منهما يترتب عليه تفسير – والله أعلم:

 

- التفسير الأول: أنه كان نوعا من التلطف بالنبي فلم يظهر العتاب بصورة مباشرة .. وكأنه المقصد هو: "أتعلَم حال الذي عبس وتولى لما جاءه الأعمى" ..

#- (وعن ظن مني خالد صاحب الرسالة) .. أظن أن النبي حين سماعه بأول آيتين فانتبه لكونه المقصود .. فحاول الإعتذار بتوضيح سبب فعله وهو محاولة الإرتقاء بالكافر إلى الإيمان.

 

- ولذلك التفت الحوار لصورة المخاطبة للنبي مظهرا له سبب العتاب .. فقال له تعالى ما معناه: إن كان هذا هو اعتذارك يا نبي الله وظنك بالكافر .. فما يدريك بسبب مجيء هذا الأعمى إليك .. فلعله  هو أيضا أراد الإرتقاء بإيمانه من خلال معرفته بما هو خطأ فلا يفعله أو معرفته بما هو خير له فيفعله ..

 

- التفسير الثاني: أن البداية بضمير الغيبة كان للإنكار على النبي فعله وليس للتلطف به .. وكأنه يقول له: "عجبا لمن عبس وتولى لما جاءه الأعمى" ..

 

#- ملحوظة: كنت في الفصل السابع قد ذكرت .. الرأي الغالب على كلام العلماء وهو أن سبب الغيبة في الكلام هو التلطف بالنبي .. وذلك في السؤال: (س21: لماذا قال القرآن عن النبي (عبس وتولى) ولم يقل "عبست وتوليت") ...

- ولكن هنا أحببت أن أثبت الرأيين .. من باب المعرفة.

 

- والله أعلم.

 

*******************

 

..:: س45: ما هي بعض المسائل التي أحسبها خرافات مدسوسة في كتب التفسير وقيلت في العشر آيات الأولى من سورة عبس ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- من الخرافات التي قيلت عن النبي في سورة عبس ..

1- الخرافة الأولى:

- أن النبي عبس في وجه الأعمى وتولى عنه معطيا له ظهره وقفاه ورحل نافرا منه ..!!

- وما جاء في هذه الخرافة .. من العبوس في وجه الأعمى .. والتولي بالرحيل عن الأعمى .. قد أتى في روايات مزورة أو مكذوبة وأحسن رواية فيهم ضعيفة جدا ومتنها باطل .. وقد سبق بيان كل ذلك في الفصل الأول من هذه الرسالة ..

 

#- ويمكن القول ببساطة:

- هل قال القرآن: أن النبي عبس في وجه الأعمى ؟

- أكيد .. لا.

- هل قال القرآن: أن النبي تولى عن الأعمى بذاته ؟

- أكيد .. لا.

- هل القصة المروية في سبب نزول سورة عبس .. جاء فيها أن النبي عبس في وجه الأعمى أو تولى عن الأعمى معطيا له ظهره ورحل عنه .. ؟

- أكيد .. لا .. ودليل ذلك:

#- (أثر مقبول) .. عن أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ أَبِي الْبِلَادِ " وهو يَحْيَى بْنُ الضحاك الْغَطْفَانِيُّ"، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ "بن الأجدع التابعي" قَالَ: (دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ (أي استأذن بالدخول عليها لأنه كان من أقرب طلابها في نقل العلم عنها) وَعِنْدَهُا رَجُلٌ مَكْفُوفٌ (أي أعمى) .. تَقْطَعُ لَهُ الْأُتْرُجَّ (نوع من الفاكهة كالبرتقال) وَتُطْعُمُهُ إِيَّاهُ بِالْعَسَلِ .. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَتْ: هَذَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ .. "أَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ .. فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمَا" .. فَنَزَلَتْ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس: 2] أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى قَالَتْ: ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) رواه الطبراني في الأوسط..، والبيهقي في شعب الإيمان .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث مقبول .. لأن فيه (أحمد بن بشير الهمداني) وهو مختلف عليه بين القبول الضعف .. ومن هذا حاله فهو يكون مقبول الحديث "وإن كان ليس بحجة".

 

2- الخرافة الثانية:

- أن النبي ترك الأعمى لأنه كان أعمى وفقيرا ..!!

- إذ قال البعض أن النبي جالس الكافر الذي استغنى بكفره عن الإيمان لأنه كان غنيا .. وترك الأعمى لأنه كان فقيرا وأعمى .. ولذلك عاتبه القرآن .. !!

- وهذا ما لا يمكن تصوره في حق النبي صلى الله عليه وسلم .. بل وباطل بنص آيات سورة عبس .. وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في هذه الرسالة..

 

#- ويمكن القول ببساطة:

- هل قال القرآن أن النبي ترك الأعمى لعماه وفقره .. وجالس الكافر لغناه ومكانته ؟!!

- أكيد .. لا .. وإلا فكيف كان جالس الأعمى وآمن على يديه قبل هذه الواقعة ؟!!

- إذن .. لا حاجة لمزيد كلام في ذلك لبيان فساد وبطلان بل وتخريف هذا الكلام.

 

3- الخرافة الثالثة:

- أن النبي معصوم من الخطأ ..!!

- وهذا ما لاحظته في من كلام بعض الناس على الإنترنت .. فإنهم يجعلوك تشعر وكأننا نتحدث عن إله وليس عن بشر نبيا ..!!

- وهذا غلو غريب في محبة النبي .. لم أسمع به ولم يصادفني من قبل  ..

- وكأني أحسب أن هؤلاء يظنون .. أن النبي كان يسير جبريل عليه السلام بجواره كتفا بكتف طوال حياته .. أي لا يفارقه أبدا .. ولذلك لا يمكن أن يخطأ .. !! ، ولو كان الأمر كذلك فهذا تصور خاطيء تماما .. إذ قال تعالى: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) مريم:64...!!

 

- والحقيقة أن النبي ليس معصوم من الخطأ من حيث كونه بشرا يجتهد ويخطيء .. وإنما معصوم من حيث كونه رسولا يوحى إليه من الله .. فهو معصوم في التلقين من الوحي .. ومعصوم في تبليغ الوحي للناس.

 

- ولا أدري ما المشكلة في صدور خطأ من النبي من حيث بشريته .. إذا كان الله جل شأنه قال: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الأحزاب:5.

 

- والخطأ الذي نقصده في حق النبي صلى الله عليه وسلم هو خلاف الأولى .. ويكون المقصد منه إرادة الخير من وراء اجتهاده .. إلا أنه عند التنفيذ قد لا يوافقه فيه القرآن في اجتهاده.

 

4- الخرافة الرابعة:

- أن يتم نسبة أحاديث للنبي بالباطل في حين النبي بريء منها ولم يقل بها ..!!

- كما في قصة .. (الحضرمي بن عامر) التي ذكرناها في الفصل الثاني عشر .. تحت عنوان: (س42: ما هي أحد الخرافات التي قيلت عن سورة عبس وموجودة في الكتب التراثية ؟) .!!

 

@- وبهذا يكن لدينا الفصل الأخير من الرسالة إن شاء الله .. والذي أذكر فيه تفسير العلماء للآيات الأولى من سورة عبس .. حسب ما فهمت منهم رضوان الله عليهم ..

 

- وأذكر فيه إن شاء الله .. لماذا كنت ذكرت في بعض فصول من الرسالة "على افتراض أن (عبس وتولى) تتعلق بالنبي" .. وذلك لوجهة نظر لي في تفسير الآيات .. والله الموفق.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .